تذكرة وحقيبة سفر  2

تذكرة.. وحقيبة سفر - 2

تذكرة.. وحقيبة سفر - 2

 صوت الإمارات -

تذكرة وحقيبة سفر  2

بقلم : ناصر الظاهري

بعد وداع عكا وحيفا ويافا، كنت.. وكأني بين المسافر على جناح غمامة، والحالم ببراق يطير، لقد كان بيني وبين القدس شبر، ساعتها تهاوت الأشياء تحت قدمي، وكاد التوازن مع النفس يختل، لأني أرى القدس لأول مرة، كان هناك طريق غير سالك من باب الخليل، ثلة من جنود صغار ملامحهم من جهات ثلاث مختلفات، عرفوا الخوف في صغرهم، وحدها آلات القتل تضبّع للعمر الصغير أن يجرب مرة واحدة فقط معنى القتل، تحاذي الجدار ذا الصخر التاريخي، حاضن القدس العتيقة، تهبط نزولاً إلى صحن ساحة باب العمود، تتخيل سحابة ظل عمر بن الخطاب داخلاً هذا الباب على جمله، مطأطئاً رأسه الحكيم، ومرة..

مسك خيل صلاح الدين الذي لم يجعله زهو الانتصار يدخل إلا راكعاً، قائماً، باسطاً يديه، مؤمناً الآخر من أذى سيفه.

ترهب الدخول، يجفل القلب الشغوف بهذه المدينة، تتوقف عند بائع العرقسوس والتمر حنا، تأنس بوجه الكنعاني من وحشة المكان، ورهبة التاريخ، ترطب قلبك بشرابه الفردوسي البارد، ينظر إليك بائع الكعك من هناك، تفهمه بعينك، وإشارة من يدك، أنك شبع، وأنك كأنك أكلت من كعك القدس، ربما من عند فرّان في المصرارة، أو في نزلة سفيان الثوري.

تدخل برجلك اليمين مبسملاً، ومحوقلاً، ومهللاً، يشعر التجار القدامى في ذلك المدخل، الصراف، العطّار، أن الخطوة غريبة، وأن التلفت باندهاش، لشخص غريب، وجديد على السوق، وأن الفرح الذي يزاغي صدره العاشق، تفضحه العيون الصبيانية، تبدو المصافحة الأولى لهذا المكان صادرة عن شخص طال به البعد، أو لم يسعفه اللعب بالجغرافيا أن يعرف ويتعرف على مدينة طالما كانت لصيقة بالقلب، وبعيدة عن الجناح. تدلف ذلك المنعرج، والممشى الحجري من عهد باد أو عهد عاد، تلتقي بوجه عربي مقدسي، بشماغه الأبيض وعقاله الأسود، فلا تستطيع أن تميزه، هل هو من بقايا الفاتحين الأُول، جاء أجداده يترادفون المطايا مع الصحابة؟ أم هو من بقايا الجيوش الناصرة؟ أم يمتد جذراً وجذعاً في تاريخ موغل في القدم، كقدم شجرات الزيتون الرومانية؟

يحاذي كتفك كتفه، غير أن السنين عكفت قليلاً من استقامته، وطوله، يجول بعينه الرماديتين الباردتين، لا بل هي بلون الزيتون وأصفى، تدور عيناك يمنة ويسرة، تتفحص الوجوه المارة العجلى، أو وجوه البائعين في الحوانيت، والمنادين في الأسواق، يهود ربما حريديين، أو سفارديم، بقبعاتهم السوداء، وجدائل شعر أسود فاحم، أو محمر تتدلى على الأكتاف، أطفال صغار بـ«الكيباه سروجاه»، رهبان مسيحيون بملابسهم الثقيلة السوداء، ونعمة البشارة على وجوههم، حجاج بيت المقدس، يلوذون بكنيسة القيامة، أو عائدين للتو من زيارة كنيسة البشارة في الناصرة، جميعهم جاءوا يوفون بنذورهم.

تسمع نفير بوق قرن العجل من جانب قصي، ويهود ملتصقون بالحائط، يتمتمون، وينوسون برؤوسهم إلى الخلف والأمام، يتلون مزاميرهم، ويدخلون في شقوق الجدار أوراقاً صغيرة، يخبئونها مع الأمنيات.

لا تعرف كيف ترى هذه المدينة من داخلها أو خارجها؟ أبو علي بائع الصحف والكتب، الشاهد على المدينة وأحداثها، أبو الفضل الطويل بسيارته البيضاء ذات اللوحة الصفراء والذي يمكن أن يجنبك زحام القدس. كيف تمددت إسرائيل بوطأة التاريخ على جسد جغرافية القدس المسالمة والمحبة لكل البشر!

المصدر : الاتحاد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تذكرة وحقيبة سفر  2 تذكرة وحقيبة سفر  2



GMT 20:35 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

«شايفة.. وعايفة» -2-

GMT 21:33 2021 الجمعة ,09 إبريل / نيسان

«شايفة.. وعايفة» -1-

GMT 20:29 2021 الخميس ,08 إبريل / نيسان

خميسيات

GMT 20:27 2021 الأربعاء ,07 إبريل / نيسان

مواء القطة الرمادية

GMT 19:03 2021 الثلاثاء ,06 إبريل / نيسان

الموكب الملكي المهيب

GMT 08:12 2018 الخميس ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"برشلونة يحسم صدارته للمجموعة الثانية في "دوري الأبطال

GMT 06:41 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

توم هانكس يؤكد أن عرض فيلم "غرايهاوند" 10 تموز

GMT 08:32 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مانشستر يونايتد يفقد شاو في مباراتين

GMT 13:17 2018 الجمعة ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أروى جودة تُؤكِّد على عدم الاشتراك في مسلسل "قيد عائلي"

GMT 07:56 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

سيف بن زايد يستقبل شيخ الأزهر الشريف

GMT 00:51 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

"برشلونة" يرغب في ضم البرازيلي إيميرسون أباريسيدو

GMT 01:16 2018 الأحد ,21 تشرين الأول / أكتوبر

فهمي الخولي يُقرر تحويل رواية "الأرض" إلى عرض مسرحي

GMT 13:40 2018 الأربعاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

إطلالات أنيقة بالحجاب على طريقة الفاشونيستا صوفيا غودسون
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates