لما تنادينا الشرفات

لما تنادينا الشرفات

لما تنادينا الشرفات

 صوت الإمارات -

لما تنادينا الشرفات

بقلم : ناصر الظاهري

من لا يحب شرفة أو نافذة، لا يعرف التأمل، ومن لا يعرف التأمل، لا يعرف الصفاء ورائحة مسك الإيمان، هذا أول حديث لي مع تلك الشرفة التي تطل على أمواج المحيط، تسمع تلاطمها بالصخور التي تحد تلك الجزيرة البعيدة، ورؤوس أشجار جوز الهند الباسقة تجاور نافذة غرفتك العالية، ومطر خجول جاء في غير وقته، لكنه ترك بعضاً من هيبة حضوره، ورائحته على مسائك ذات خريف، كنت تنشد فيه شيئاً من الخلاص، وشيئاً من الطُهر!

يكفي أن تكون تلك الشرفة الصامتة بزرقة الليل، وطاولة خيزرانية تفصل كرسيين يتيمين، كرسي تملأه بجثتك وعافية التجوال نهاراً، وكرسي مقابل خاو ظل يخزّن الظل ودفء الشمس لأيام، منتظراً جسداً لدناً، بزغب ناريّ، لفتاة تهوى السفر لمكانه البعيد أو أقلها يبقى قريباً وملتصقاً جنب أخيه، كجلسة مقترحة لعجوزين مرحين، يعشقان الثرثرة والنسيان، والذي عادة ما يجلبهما معه العمر الطويل المشترك!

في تلك الشرفة التي تسرق من ضوء القمر ما تيسر، وبقدر ما ينقشع من غمامة عجلى، تضيء مشعلة فيك حنين الليل، وحزن اغتراب النفس، وتلك الأشياء الجاهلة التي تؤلم القلب، ولا يقدر رأسك على حملها في عمر الحكمة، تلك الشرفة التي يقلق صمتها قليلاً غناء الموج وصفير الريح ونشيد الصخر، ومشاغبات طيور تريد أن تهجع في أعشاشها باكراً!

شرفة كانت تستدعي شرفات، وأماكن، ونساء، وأصدقاء، وأوقاتاً كانت تشرق بالضحك وبشائر القلب، وأوقاتاً كانت تتخضل بالدمع ونشيج الضلوع، شرفة كانت تناجي زوايا عشقتها للتأمل وثرثرة الصمت أو تركت فيها الروح وحيدة في هيام طيرانها وملاذها، شرفة كانت تستدعي مدناً رضعت منها، ومدناً لا تطيق أن تقول لها كلمات الوداع، كأم جليلة تخاف أن تجرح حنجرتها كلمة الوداع، ومدناً تكرهها لأن لها لون الرماد، ورائحة احتراق الرصاص!

استدعت تلك الشرفة فنادق في بقاع كثيرة، بعضها تشعر كأنه بيتك، فيه ألفة، وعطر، ودفء، ومناشف ملونة، وأغطية قطنية حاضنة، وحانية، وبعضها لا تكاد تفرق بينه، وبين غرفة في مستشفى لها رائحة النشادر، ومحاليل النظافة كل حين، وتلك الليالي الإجبارية للمبيت دون نوم متقطع لأخذ الأدوية في ميعادها، وتناول الحبوب مع ماء فاتر في كأس بلاستيكية بيضاء تجعل للماء طعماً مختلفاً!

تلك الشرفة قدرت أن تسرق من ذاكرتك تلك الليلة أسماء شوارع في مدن ظلت مبتلة ببقايا مطر الليل، شوارع بأشجارها الكبيرة، وأكشاك بيع الصحف، وأرصفة مقاهٍ، وخطوات فتيات لا تقدر أن تتحملهن الأرض، ولا هن يشفقن على قلب الشيخ الفاني المتفاني، شوارع كبيرة كالرئة في مدن كبيرة، وشوارع صغيرة كقلب عصفور ملون في قرى بعيدة!

استطاعت تلك الشرفة المقابلة موج المحيط أن تستجلي النفس، ذاهبة معها في تطواف بعيد في مدن الله الكثيرة، وزيارة طُهر، وكفّارة من رجس النفس الأمّارة بالحب دائماً!

المصدر : الاتحاد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لما تنادينا الشرفات لما تنادينا الشرفات



GMT 20:35 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

«شايفة.. وعايفة» -2-

GMT 21:33 2021 الجمعة ,09 إبريل / نيسان

«شايفة.. وعايفة» -1-

GMT 20:29 2021 الخميس ,08 إبريل / نيسان

خميسيات

GMT 20:27 2021 الأربعاء ,07 إبريل / نيسان

مواء القطة الرمادية

GMT 19:03 2021 الثلاثاء ,06 إبريل / نيسان

الموكب الملكي المهيب

GMT 04:59 2024 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

علاقة مفاجئة بين شرب القهوة وبناء العضلات
 صوت الإمارات - علاقة مفاجئة بين شرب القهوة وبناء العضلات

GMT 19:17 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الأسد السبت 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 09:01 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

يبشرك هذا اليوم بأخبار مفرحة ومفيدة جداً

GMT 06:17 2015 الأربعاء ,04 شباط / فبراير

افتتاح معرض رأس الخيمة للكتاب بمشاركة 76 دار نشر

GMT 02:43 2017 السبت ,02 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على مواعيد مباريات منتخب مصر في كأس العالم

GMT 08:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

تخريج الدفعة الأولى من برنامج قيادة الأعمال الإنسانية

GMT 18:45 2015 الخميس ,22 كانون الثاني / يناير

معرض دبي العالمي للقوارب يعزز مكانته العالمية في 2015

GMT 21:44 2014 الأربعاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

السعودية تشارك في معرض برشلونة للكتاب في دورته الـ32

GMT 01:38 2014 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

جامعة كينياتا تمنح سيدة كينيا الأولى الدكتوراه الفخرية

GMT 07:50 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

14 منطقة حول العالم تشبه مدينة "البندقية" الإيطالية

GMT 11:42 2020 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

مواطن إماراتي ينجح في اصطياد 3 أسماك ضخمة أحدها طولة 3 أمتار

GMT 23:51 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

فوائد تناول الزعفران يوميًا يعالج امراض القلب
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates