ناقعو الحنظل

ناقعو الحنظل

ناقعو الحنظل

 صوت الإمارات -

ناقعو الحنظل

بقلم : ناصر الظاهري

مهما يكن الفاعل، فليس له صفة إلا شهوة قطع الرؤوس، وإن كانت من رخام أو حجر أو نحاس، لعظماء من التاريخ، تجرأوا على أبي جعفر المنصور، والمتنبي، وتطاولوا على شيخ المعرّة، فكل الذي قدر عليه الفاعل أنه تعدى آثماً، وتشاطراً منتفخاً بالهواء على تمثال يذّكر الناس بجميل صنع وعبقرية هذا المبدع والمنتمي لمدينته معرة النعمان، أبو العلاء المعري، وقام بجز رأسه، ذلك الرأس الذي أشقاهم، وسفه رؤوسهم التي يحملونها على أكتافهم منذ التاريخ البعيد، ورآهم على حقيقتهم ببصيرته لا ببصره الذي افتقده، وهو يحجل صغيراً إثر مرض

الجدري الذي غيب النور عن العين، فزاده في القلب والعقل. في وقت من الزمان كان المتبادي إلى معرة النعمان، لا يدخلها إلا ويريد أن يلقي السلام على الشيخ الضرير، ولا يمكن أن يغادرها من دون أن يودع فيلسوف الشعراء، وشاعر الفلاسفة بكلمات هن مثل الدعاء والرجاء، واليوم حينما يدخلونها مسلحين، فأول القتلى الأبرياء أبو العلاء، الساكن على قاعدة رخامية، بجلبابه البني المعصفر، وعمامته، فقد أثقبوا التمثال برصاص بائر في مخازنه، وأنزلوه من عليائه، وقطعوا الرأس، ولعلها ليست أول مصائب أبي العلاء مع هؤلاء النزق والغرباء، فقد

حاربوه حيّاً، ورموه بالزندقة حينما لم يقيموا كلامه، ولم يستوعبوا فلسفته، فما أسهل الرجم، وإلقاء الحجر في وجه الآخر، وما أصعب الاعتراف بالخطيئة، لقد جاء هؤلاء المحتسبة يريدون أن يحاكموا أبا العلاء بجنحة التكفير، لا منطق التفكير، وقد كان عصره ومجايلوه أوسع مداركاً، ومعارف، وفضاؤهم أكثر حرية وفكراً وجدلاً، أما أتباع «محاكم التفتيش الديني الجدد» فهم سلاح بلا فكر، ورأس بلا وعي، لهم أرجل يمشون بها، وعقول لا يفكرون بها، هم مدارس الحفظ والنقل، والتلقين والتدوين، كلهم درسوا المعري في مدارسهم، لكن تسبقه جملة «أعوذ بالله»، وتتبعه جملة «لعنه الله» حينما يخلون بمرشديهم وأوصيائهم وناقعي الحنظل فيهم، فيغوونهم، وهو يعتقدون أنهم يسلكون بهم سبل الرشاد.
لا يمكننا إلا أن نعد المعري من شهداء الثورة السورية، ولقد كان في حياته ثائراً في وجه الدنيا، ووجه المتملقين والمتفيقهين، وأرباب المصالح، وفاقدي الخلق والمروءة، نبغ في الشعر وهو أبن أحد عشر عاماً، واعتكف ولزم الدرس حتى بلغ العشرين، وبلغ شأناً في اللغة والأدب والمعارف، جده كان قاضياً، وأبوه من المبرزين علماً وأدباً، وكذلك أعمامه وأخواله، وأخوه شاعراً زاهداً، لكن العبقرية انحازت لأبي العلاء وبزّهم جميعاً، يعد من شعراء الإنسانية، وتراثه الأدبي يرقى للعالمية، عاش زاهداً، معتكفاً، ومتأملاً، متفكراً في شؤون الخلق والزمان والإنسان.. كان يقول:
«اثنان أهل الأرض؛ ذو عقل بلا دين، وآخر دين لا عقل له»!

المصدر : الاتحاد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ناقعو الحنظل ناقعو الحنظل



GMT 20:35 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

«شايفة.. وعايفة» -2-

GMT 21:33 2021 الجمعة ,09 إبريل / نيسان

«شايفة.. وعايفة» -1-

GMT 20:29 2021 الخميس ,08 إبريل / نيسان

خميسيات

GMT 20:27 2021 الأربعاء ,07 إبريل / نيسان

مواء القطة الرمادية

GMT 19:03 2021 الثلاثاء ,06 إبريل / نيسان

الموكب الملكي المهيب

GMT 04:59 2024 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

علاقة مفاجئة بين شرب القهوة وبناء العضلات
 صوت الإمارات - علاقة مفاجئة بين شرب القهوة وبناء العضلات

GMT 19:17 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الأسد السبت 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 09:01 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

يبشرك هذا اليوم بأخبار مفرحة ومفيدة جداً

GMT 06:17 2015 الأربعاء ,04 شباط / فبراير

افتتاح معرض رأس الخيمة للكتاب بمشاركة 76 دار نشر

GMT 02:43 2017 السبت ,02 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على مواعيد مباريات منتخب مصر في كأس العالم

GMT 08:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

تخريج الدفعة الأولى من برنامج قيادة الأعمال الإنسانية

GMT 18:45 2015 الخميس ,22 كانون الثاني / يناير

معرض دبي العالمي للقوارب يعزز مكانته العالمية في 2015

GMT 21:44 2014 الأربعاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

السعودية تشارك في معرض برشلونة للكتاب في دورته الـ32

GMT 01:38 2014 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

جامعة كينياتا تمنح سيدة كينيا الأولى الدكتوراه الفخرية

GMT 07:50 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

14 منطقة حول العالم تشبه مدينة "البندقية" الإيطالية

GMT 11:42 2020 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

مواطن إماراتي ينجح في اصطياد 3 أسماك ضخمة أحدها طولة 3 أمتار

GMT 23:51 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

فوائد تناول الزعفران يوميًا يعالج امراض القلب
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates