سجالات البناء أهم من احتفالات الهدم

سجالات البناء أهم من احتفالات الهدم

سجالات البناء أهم من احتفالات الهدم

 صوت الإمارات -

سجالات البناء أهم من احتفالات الهدم

بقلم : فهد سليمان الشقيران

لم تؤسس الحالة السورية منذ بدء الحرب لحلبات اشتباك سياسية بين المتخصصين والمنخرطين فحسب؛ وإنما طار شررها ليصل إلى المجال الثقافي والأدبي والفني، بخاصةٍ منه الموسيقي والسينمائي.

كرة النار السورية أشعلت الكثير من الصراعات بين الأطراف، وكلٌّ أخذ موقعه من جبهات النزاع، بين مؤيد أو معارض مع قلةٍ ساكتين، وآية ذلك أن سقوط النظام رفع الغطاء عن عدد من الفنانين الذين أبدوا دعمهم للنظام مباشرةً مما أشعل الخوف في نفوسهم بعد السقوط وصارت هناك حفلات تراجع واعتذار وتوضيحات.

وعلى كلٍّ فإن أسوأ مستشار للإنسان هو الحقد، فالقتل على الهويّة جرّبه اللبنانيون وندموا، ونبش القبور أو تصفية الحسابات، لن يدعم الاستقرار المنشود، جربه الأفريقيون في حروبهم الأهلية ولم تزدهم إلا ضياعاً.

مع حومة الحرب السورية نشب اقتتال فكري شديد داخل النخبة الثقافية السورية، ومن ذلك سجالات صادق جلال العظم وجورج طرابيشي، وأدونيس، هؤلاء هم الأساسيون في السجال آنذاك.

وما كان طرابيشي جزءاً من النظام ولكنه ينضوي وراء مفهوم غير الذي يعتمد تعريفه الثوار، كذلك الأمر لدى أدونيس، الذي غيّر من تعريف الثورة. لقد وضع قادة الحراك تعريفاً واحداً للثورة؛ مَن ليس معنا فهو مع النظام، وهذا فيه افتراء وقلة فهم.

طرابيشي الذي كتب أسفاراً حول العلمنة والديمقراطية والدولة، معنى موقفه ببساطة، أن هذا الحراك سيأتي لي بنموذج سياسي حاربته طوال حياتي ولذلك أنا لن أنخرط في هذا الموضوع، دبّروا شؤونكم، كما انتقد المقولات التي طرحوها باعتبارها غير كافيةٍ ولا ناضجة.

وبالعودة لأدونيس الذي كتب عنه الأستاذ مشاري الذايدي مقالةً بعنوان: «سوريا بعيون أدونيس» فإن من الضروري التذكير بأن موقفه لم يكن مع النظام مطلقاً وقد قرأتُ له وتواصلت معه في ذروة الحرب يرى أن الثورة لا قيمة لها إن لم تستند إلى مشروع فكري وسياسي مدني علماني، أمَّا أن يصطفّ خلف قيادات لها إرثها المعروف بالعنف، وبالانتماء للإسلام السياسي فهذا فيه إنكار لكل مشروعه وتاريخه، وهذا موقفه ويُحترم وليس من حق المحتجّين وضع قضيتهم بعمومها معياراً للتقييم الأخلاقي، نعم ضد العنف والبطش الذي حدث وهذا موقف إنساني ولكن نتحدث عن المشروع السياسي الأعم الذي هو نقطة الخلاف.

ينقل الذايدي موقف أدونيس وحقيقة التغيير الذي يحدث في سوريا الآن، يقول: «أولئك الذين حلّوا محلّه (الأسد)، ماذا سيفعلون؟ المسألة ليست تغيير النظام، بل تغيير المجتمع». لأن التغيير المطلوب - حسب أدونيس - هو «تحرير المرأة، وتأسيس المجتمع على الحقوق والحريات، وعلى الانفتاح، وعلى الاستقلال الداخلي، إذا لم نغيّر المجتمع، فلن نحقّق شيئاً. استبدال نظام بآخر هو مجرد أمر سطحي».

تساءلت في مقالات عدة كتبتها هنا وقلت: «هل طعن أدونيس ثورة السوريين؟!» إن موقفه مباشر، يعتبر الثورات عموماً والثورة السورية خصوصاً كلها مفرغة من العلمنة وهي مشحونة بالنفس الديني، واعتبر الثورة التي تخرج من الجوامع ليست بثورة، وأن العنف الذي شاب هذا النزاع كان سبباً في معارضته للحراك، ويتحدى رموز الثورة أن يتحدثوا بكلمة واحدة عن العلمنة وقضايا المرأة وإشكاليات المفاهيم الدينية ذات الامتداد لتسيير الواقع وتحري آليات تدبير الناس، إن من حقّ المراقب أن يختلف مع حدثٍ معيّن فهي ليست غزوات مقدّسة وإنما ممارسات بشرية.

الخلاصة؛ أن الحدث المكثّف من الطبيعي أن يستدرج معه العديد من الظواهر والمقولات، بالطبع، ليست مهمة الناقد الاحتفال والاهتبال؛ بل مهمته أن يتناوله بالنقد والفحص والتشريح. وكل عمليّة نقدية تتطلب مسافةً من البعد عن الرأي الجماهيري السائد، ذلك أن للجمهور سطوته، فهو يشوّش على الدقة النقدية الضرورية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سجالات البناء أهم من احتفالات الهدم سجالات البناء أهم من احتفالات الهدم



GMT 05:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

يتفقد أعلى القمم

GMT 05:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا و«تكويعة» أم كلثوم

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

تحولات البعث السوري بين 1963 و2024

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والنظام العربي المقبل

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

2024... سنة كسر عظم المقاومة والممانعة

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 00:23 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 08:23 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 20:55 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير الهجرة الكندي يؤكد أن بلاده بحاجة ماسة للمهاجرين

GMT 08:24 2016 الأحد ,28 شباط / فبراير

3 وجهات سياحيّة لملاقاة الدببة

GMT 03:37 2015 الإثنين ,08 حزيران / يونيو

عسر القراءة نتيجة سوء تواصل بين منطقتين في الدماغ

GMT 22:45 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

استمتع بتجربة مُميزة داخل فندق الثلج الكندي

GMT 02:49 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

ليال عبود تعلن عن مقاضاتها لأبو طلال وتلفزيون الجديد

GMT 04:52 2019 الخميس ,03 كانون الثاني / يناير

"هيئة الكتاب" تحدد خطوط السرفيس المتجهة للمعرض

GMT 04:47 2018 الأربعاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

شادي يفوز بكأس بطولة الاتحاد لقفز الحواجز

GMT 18:39 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

أجمل الأماكن حول العالم للاستمتاع بشهر العسل

GMT 17:16 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

وعد البحري تؤكّد استعدادها لطرح 5 أغاني خليجية قريبًا

GMT 05:14 2018 الخميس ,04 تشرين الأول / أكتوبر

إيرباص A321neo تتأهب لتشغيل رحلات بعيدة المدى
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates