«سُميّة رمضان» والذين معها

«سُميّة رمضان».. والذين معها

«سُميّة رمضان».. والذين معها

 صوت الإمارات -

«سُميّة رمضان» والذين معها

بقلم: فاطمة ناعوت

 

صديقتى «سُميّة رمضان»، حين تلتقين بهم اليومَ فى فردوس الله البهىّ العلىّ، أبلغيهم حبى وزهرة. أولئك الذين جمعوا بيننا، ومنهم من كان سببًا فى تعارفنا والتقائنا على حبّهم. «فينسينت»، «فرجينيا»، «حسين»، «شمس».

- «فينسينت»: قبل نحو عشرين عامًا، دقَّ هاتفى وسمعت صوتًا رقيقًا يقول: «أنا اسمى »سمية رمضان«، قرأتُ لك ترجمةً عربيةً جميلة لقصيدة Vincent التى كتبها وغنّاها »دون ماكلين«، وأود استئذانك فى تدريسها لطلابى فى الأكاديمية». وافقتُ من فورى. وبدأت صداقتُنا، وتعرفتُ على أجمل إنسان يمكن أن تصادفه فى حياتك: ثقافةٌ وبساطة، قوةٌ ورقّة، علمٌ وعذوبةٌ. ومنذئذ صرتُ مَدينةً للفنان الهولندى العظيم «فينسينت فان جوخ»، أن كان سببًا فى تعرّفى على تلك الجميلة. وحين رحلت «سمية» بالأمس، راجعتُ بين دموعى رسائلَنا؛ فوجدتُ من بينها رسالةً تخبرنى فيها أن ابنها، حين يودُّ أن يدلّلها كأم جميلة، يمسكُ جيتاره ويعزف عليه أغنية Vincent.

- «فرجينيا».. حين شرعتُ فى ترجمة أعمال البريطانية الساحرة «فرجينيا وولف» للعربية عام 2001، لصالح «المجلس القومى للترجمة»، فكرتُ ألا أكتفى بقراءة أدبها بالإنجليزية، ووددتُ أن أطالعَ، على عُجالة، بعضَ ما تُرجم لها بالعربية، نظرًا لصعوبة البناء القصصى والروائى عند «وولف»، وتعقيد التركيب اللغوى لديها، ومزجها الواقع بالخيال، واستخدامها تقنية «الالتفات فى الضمائر»، وأنسنة غير العاقل فى الضمائر، وانتهاجها أسلوب «التداعى الحر للأفكار»، وغيرها من التقنيات الأدبية المعقدة التى وسمت أدب «فرجينيا وولف» بالتعقيد والصعوبة والغموض. هذا إلى جانب إصابتها بـ«اضطراب ثنائى القطب Bi-Polar Disorder» ما جعلها فى حياتها وأثناء الكتابة تخلط بين الواقع والخيال، وانتهى بانتحارها غرقًا عام 1941. بحثتُ فى المكتبات عن ترجمات لها، فلم أجد. لجأتُ للعظيم د. «محمد عنانى»، شيخ المترجمين، فضحك قائلًا: (الناس بتهرب منها يا حبوبة! نعمل إيه وأنت اخترتى حارة سد!. فرجينيا وولف بتخوّف! Who›s Afraid of Virginia Woolf)... ثم قهقه قهقهته الجميلة الشهيرة، وتوقف فجأة كأنما قد تذكر شيئًا، وقال: (بس فيه ترجمة لمقالها: A Room of One›s Own اللى كتبته عام 1929 ترجمته «سميّة رمضان» فى كتاب عنوانه: «غرفة تخصُّ المرءَ وحده»، ابقى بصى عليه). وحصلتُ على الكتاب الصغير الجميل. ولم أعش فقط مع نقمة «فرجينيا» على أسرتها الثرية التى منعت ذهابَها إلى المدرسة والجامعة كعادة الأسر الفيكتورية فى بدايات القرن الماضى، بل تعرفتُ كذلك على الجميلة «سُمية رمضان» من خلال عذوبة لغتها وحلولها النفسى فى مأساة «فرجينيا وولف». هنا

تأكدتُ أن خيوطًا سحرية تربط بينى وبين هذه الوادعة التى فقدتُها بالأمس. وأصدرتُ بالعربية ترجماتٍ عديدة لـ«فرجينيا وولف»، فى طبعاتها الجديدة سوف أحرصُ على إهداء بعضها لـ«سمية رمضان».

«حسين»... هو الاستثنائى «حسين بيكار»، الفنان التشكيلى المصرى العالمى الذى لم يأتِ مثله فى كل الدنيا، ولن يأتى. لم يشرّفنى الزمانُ بلقائه، غير أن عشقى للوحاته وكفاحه ووطنيته يحتلُّ قلبى وعقلى منذ طفولتى. من بين جواهره النفيسة لوحة لامرأة جميلة ترتدى فستانًا أبيضَ، عقصت شعرها الأسودَ فى ذيل حصان بـ فيونكة سوداء. تقف السيدةُ بروفايل، وتنظر جانبيًّا نحو شىء ما بعينيها السوداودين الساحرتين بنظرة تجمع بين الفرح والحزن. هذه الجميلة هى «سمية رمضان» التى كان «بيكار» يعتبرها ابنته الروحية، ورسم لها هذه اللوحة الساحرة عام 1990. وكان عشقُنا لهذا العظيم خيطًا جديدًا يربط بيننا.

«شمس».. هو «شمس الدين التبريزى»، الدرويش العارف المتصوف الذى علّم مولانا «جلال الدين الرومى» عشقَ الله والذوبان فى جمال نوره وفيوض رحماته. كانت «سميّة» تُزيّن صدرها طوال الوقت بـ«بروش» من النحاس يصوّر درويشًا فى تنورته يرقص «المولوية»، أرى فيه دائمًا «شمس التبريزى» رفيق دربى. وهذا خيط جديد يشدُّ وثاق قلبى نحو قلب الجميلة.

أولئك أصدقاؤنا الذين تُجالسُهم الدكتورة «سُميّة رمضان» اليومَ فى فردوس الله الأعلى، فيا حظّها الجميل! ويا حظَّهم أن تنضمَّ إلى مجلسهم الغنىّ زهرةٌ مصريةٌ مشرقة مثل هذه السيدة التى اجتمع على حبّها الناسُ جميعُهم.

حين اشتدَّ عليها المرضُ تمنيتُ لقاءها مع صديقتنا المشتركة الدكتورة «سوسن حسنى»، لكن الجميلةَ قالت إنها تودُّ الاختلاءَ بنفسها، والتهيؤَ للقاء الله. كانت شديدة الفرح بالموعد الوشيك مع الرحمن الرحيم، ولا تريد أن تمسَّ ذاك التهيؤَ الروحىَّ بلقاء بشر. عاشت فى هدوء ورحلت فى هدوء، من النور جاءت، وإلى النور تمضى. وداعًا حزينًا يا «سُميّة» السامية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«سُميّة رمضان» والذين معها «سُميّة رمضان» والذين معها



GMT 06:29 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

عند الصباح: «حَيدروش»

GMT 06:28 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

عند الصباح: «حَيدروش»

GMT 06:27 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

ساركوزي في قفص القذافي

GMT 06:26 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

نعم يا سِتّ فاهمة... الله للجميع

GMT 06:25 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

المجتمعات المعنفة!

GMT 06:24 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

ثورة الاتصالات والضحايا السعداء

GMT 06:24 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

ماسك... رئيس الظل أم الرئيس المشارك؟

GMT 06:23 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

لبنان يستسلم لاختيار عون!

GMT 06:02 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

أسرار أبرز التيجان الملكية التي ارتدتها كيت ميدلتون
 صوت الإمارات - أسرار أبرز التيجان الملكية التي ارتدتها كيت ميدلتون

GMT 19:45 2018 الإثنين ,12 شباط / فبراير

محمد صلاح يؤكد سعادته بفوز فريقه على ساوثهامتون

GMT 12:49 2017 الأحد ,17 كانون الأول / ديسمبر

اكتشاف 4 مقابر لأطفال في أسوان أحدهم مصاب بشكل خطير

GMT 19:26 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدًا وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 11:34 2020 السبت ,19 كانون الأول / ديسمبر

أحدث إطلالات جيجي حديد في اول ظهور لها في نيويورك

GMT 20:55 2019 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

4 وفيات اثر حادث تصادم على الطريق الصحراوي

GMT 15:33 2018 الأربعاء ,02 أيار / مايو

أنواع فيتامين "الأوميجا" تعمل على تغذية الجسم

GMT 14:42 2013 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

وحيد حامد في ضيافة خيري رمضان في برنامج "ممكن"

GMT 19:05 2014 الأحد ,07 كانون الأول / ديسمبر

3 تطبيقات مجانية لمراقبة أداء أجهزة "آيفون"

GMT 14:49 2013 السبت ,06 إبريل / نيسان

الإعلام يساهم في تغير المجتمعات نحو الأفضل

GMT 10:43 2013 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة : غسل اليدين يزيد الطالب تفوقاً

GMT 00:49 2020 الجمعة ,25 أيلول / سبتمبر

أفضل عطر نسائي للمرأة العاملة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates