«ميتا» تسافرُ بكنوزنا إلى الماضي في حضرة «المتحف المصري»

«ميتا» تسافرُ بكنوزنا إلى الماضي.. في حضرة «المتحف المصري»

«ميتا» تسافرُ بكنوزنا إلى الماضي.. في حضرة «المتحف المصري»

 صوت الإمارات -

«ميتا» تسافرُ بكنوزنا إلى الماضي في حضرة «المتحف المصري»

بقلم : فاطمة ناعوت

كان صغيرى «عمر» يجلس صامتًا وعيناه تنطقان بآيات الانبهار. هو لا يتكلم كثيرًا ليعبّر عن مشاعره؛ شأن «المتوحدين»، لكننى تعلمتُ قراءة أحاسيسه من عينيه، فأنا لستُ أمَّه وحسب، بل رفيقة مشوار حياته الصعب. نحن فى حضرة «المتحف المصرى» بالتحرير. نجلسُ أمام واجهته الرئيسية المهيبة، ذات اللون الوردى، ونحاول أن نتخيّل قلم الرصاص فى يد المهندس الفرنسى «مارسيل دورنيو» يجلسُ إلى طاولته المعمارية يرسم مساقطه الأفقية والرأسية ليخرج إلى الوجود هذا المتحف الفخم الضخم، ويُفتتح رسميًّا عام 1902 فى عهد الخديوى «عباس حلمى الثانى»، رغم أن قرار تأسيسه الفعلى بدأ قبل هذا التاريخ بنصف قرن فى عهد «الخديوى إسماعيل» بفكرة عالم الآثار الفرنسى «فرانسوا مارييت» العاشق لتراث مصر وحضارتها الفريدة. نحن إذن أمام صرح تاريخى مهيب هو أقدم متاحف الشرق الأوسط وإفريقيا، وأحد أعرق متاحف العالم، وأول مبنى فى العالم يُشيّد كمتحف، ومخصص بشكل حصرى وكامل لعرض الآثار المصرية. وأما أقدم متحف فى تاريخ البشرية فكان كذلك من نصيب مصر فى القرن الثالث قبل الميلاد، أسسه «بطليموس الأول» كجزء من «مكتبة الإسكندرية القديمة ببلوتيكا أليكسندرينا»، ومن اسمه Musaeum اشتُقت كلمة Museum التى تعنى الآن «متحف».

كان الحفل مهيبًا، بحضور وزير السياحة والآثار د. «شريف فتحى»، ووزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات د. «عمرو طلعت»، ود. «على عبدالحليم» مدير «المتحف المصرى»، ود. «أحمد غنيم» مدير «المتحف الكبير»، وغيرهم من أبرز القيادات فى مجالات السياحة والآثار والتكنولوجية الرقمية، بالإضافة إلى ممثلين لشركة «ميتا» العالمية المؤسِسة لمنصّات التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، «إنستجرام»، «واتس آب». فى العيد رقم 122 لميلاد «المتحف المصرى»، كانت الهدية إطلاق «مشروع إحياء التراث المصرى القديم رقميًّا» عبر تكنولوجيا الواقع المعزز بالتعاون مع شركة «ميتا» Meta العالمية.

وأنت تتجول فى متاحف مصر القديمة ومعابدها تشاهد تماثيل الملوك القدامى وخوالد آثارنا الفريدة، كم مرّةً تمنيتَ أن ترى تلك الفرائد فى صورتها الأولى يوم نُحتت أو شُيّدت قبل أن تمرَّ عليها السنوات والعقود والقرون وعشرات القرون، فيتهدّم منها ما تهدّم، وتتقشّر عنها بعضُ ألوانها، أو يخفتُ بريقُها؟ صحيحٌ أن جزءًا من جمال الأثر، بل معظمه، يكمن فى هذا القِدم وذاك التهدُّم، وتلك الصدوع وهاتيك الشقوق التى شقَّها الزمانُ، لكن فضولَ الخيال الإنسانى يجعلنا نتوق لمعرفة الشكل الأصلى لتلك القطع الفنية فى صورتها الأصل قبل زحف الزمان وصروفه بكل ما يحمل من قساوة وعوامل تعرية. والحقُّ أن «ترميم» أى أثر قديم جريمةٌ كبرى لا يسامحُ فيها التاريخ. فنحن علينا الحفاظ على الأثر ومحاولة تأخير عوامل الهدم، لكن غير مسموح مطلقًا ترميمه أو إعادة بناء المتهدم منه؛ لأن هذا تزييفٌ وإفقارٌ لقيمة الأثر. لكن الخيالَ بوسعه أن يرمم ويُصلح دون أن يُحاسَب أو يقع تحت المساءلة. والتكنولوجيا الرقمية، والواقع المعزّز بوسعهم أن يحققوا من يتصوره الخيالُ الإنسانى الفنانُ. تلك هى فكرة هذا المشروع العظيم الذى يتم الآن فى شراكة مُلهمة بين وزارة السياحة والآثار المصرية، وشركة Meta العالمية. سوف تقفُ أمام تمثال الملكة «حتشبسوت» مثلًا، الرأس موجود والجسد أفنته السنواتُ. ابحث جوار التمثال الناقص عن «بار كود» صغير، وسلِّط عليه كاميرا هاتفك، فيفتح لك على منصة «إنستجرام» تصوّرًا دقيقًا ثلاثى الأبعاد للتمثال الكامل قبل التهدم، بكامل هيبته وألوانه الأصلية. بوسعك كذلك أن تدير التمثال 360 درجة لتشاهده من جميع زواياه مع كلمة بالعربية والإنجليزية تحكى لك تاريخ الأثر. أىُّ جمال هذا وأىُّ سحر!

هكذا ينتصرُ الخيالُ على الواقع، وهكذا تهزمُ التكنولوجيا الرقميةُ تصاريفَ الزمان، مع الاحتفاظ بأصالة القطعة الأثرية الخالدة واقعيًّا، لأن جزءًا أصيلًا من جمالها فى تهدمها ونُقصانها. بهذه الفكرة الذكية وذاك المشروع العملاق بوسعنا جمع الحُسنيين، والمزاوجة بين ما لا يجتمع من روائع: القِدم، والأصالة، الاكتمال والنقصان، التاريخ والمعاصرة. نعرفُ أن فى النقصان جمالاً وحسنًا، لكن شغفَ المعرفة يُغرينا بمشاهدة الاكتمال قبل النقصان. فنشاهدُ بعين الواقع ما نقُص، وبعين الخيال نشاهد أصلَه قبل النقصان.

وكانت ندوة ثرية بإدارة السيدة «شادن خلاف»، رئيس السياسات العامة لشركة «ميتا» بشمال إفريقيا، تحدث فيها السادة: «عمرو القاضى»، رئيس هيئة التنشيط السياحى، «هشام الديب»، مستشار وزير الاتصالات، «إيلينا بانوفا»، منسق الأمم المتحدة فى مصر، عن أهمية هذا المشروع الحيوى وانعكاسه على إحياء التراث المصرى والترويج السياحى والتعليم والبحث العلمى. وبعد الحفل شدت الفنانةُ المصرية الجميلة «كارين دانيال» على أنغام فرقتها أغنيات مسّت قلوبَنا، كان ختامُها «حلوة يا بلدى»، وفعلًا حلوة. شكرًا لكل يد تضع حجرًا فى بنيان نهضة مصر الخالدة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«ميتا» تسافرُ بكنوزنا إلى الماضي في حضرة «المتحف المصري» «ميتا» تسافرُ بكنوزنا إلى الماضي في حضرة «المتحف المصري»



GMT 05:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

يتفقد أعلى القمم

GMT 05:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا و«تكويعة» أم كلثوم

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

تحولات البعث السوري بين 1963 و2024

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والنظام العربي المقبل

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

2024... سنة كسر عظم المقاومة والممانعة

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 00:23 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 08:23 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 20:55 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير الهجرة الكندي يؤكد أن بلاده بحاجة ماسة للمهاجرين

GMT 08:24 2016 الأحد ,28 شباط / فبراير

3 وجهات سياحيّة لملاقاة الدببة

GMT 03:37 2015 الإثنين ,08 حزيران / يونيو

عسر القراءة نتيجة سوء تواصل بين منطقتين في الدماغ

GMT 22:45 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

استمتع بتجربة مُميزة داخل فندق الثلج الكندي

GMT 02:49 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

ليال عبود تعلن عن مقاضاتها لأبو طلال وتلفزيون الجديد

GMT 04:52 2019 الخميس ,03 كانون الثاني / يناير

"هيئة الكتاب" تحدد خطوط السرفيس المتجهة للمعرض

GMT 04:47 2018 الأربعاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

شادي يفوز بكأس بطولة الاتحاد لقفز الحواجز

GMT 18:39 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

أجمل الأماكن حول العالم للاستمتاع بشهر العسل

GMT 17:16 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

وعد البحري تؤكّد استعدادها لطرح 5 أغاني خليجية قريبًا

GMT 05:14 2018 الخميس ,04 تشرين الأول / أكتوبر

إيرباص A321neo تتأهب لتشغيل رحلات بعيدة المدى
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates