صديقتى الأطفالُ والشغف

صديقتى.. الأطفالُ.. والشغف

صديقتى.. الأطفالُ.. والشغف

 صوت الإمارات -

صديقتى الأطفالُ والشغف

بقلم: فاطمة ناعوت

 

بيننا أميالٌ لا حصرَ لها، ولم نلتقِ أبدًا، على وعد بلقاء فى الربيع. جمع بيننا الشغفُ.. وجمع بيننا عشقُنا للطفولة.. وجمع بيننا الشغفُ بصناعة الجمال. شغفُها بأطفالها الكثيرين يشبه شغفى بصغيرى «عمر». هى الأمُّ الروحية لأطفال لا حصر لهم تبدأ أعمارُهم من شهور ستة وحتى السنوات الأولى من أعمارهم المشرقة. هجرت العمل بالحكومة الأسترالية بعد دوام يناهزُ ربع القرن، واختارَ لها الشغفُ أن تعمل مع الأطفال لكى ترسمَ لهم عوالمَ جديدة مليئة بالحب والحياة وصناعة الجمال. هى مديرةٌ لإحدى دور الحضانة «غير الربحية» فى سيدنى الأسترالية، تعيشُ طفولتَها مع الصغار من مختلف الجنسيات والثقافات، تُعلّمهم كيف يحبّون الله فيحبون خلقَ الله، لأن حبَّ الله لا يكتملُ، بل لا يبدأُ، إلا بحبِّ جميع خلق الله دون تمييز ولا عنصرية.

صديقتى مصريةٌ جميلة مهاجرة، لم تزر مصرَ منذ عقود ثلاثة. لكن عشقها للوطن يجعلها تتابعُ مصرَ وصحفَ مصر وكُتّاب مصر، فعرفتنى من مقالاتى، وتابعتنى من أقاصى الأرض فى هدوء وصمت، دون أن تكتب لى كلمة، ودون أن تسمح لى بمعرفتها.. إلى أن حدث واختفى دواءٌ ضرورى من بروتوكول علاج ابنى المتوحّد «عمر»، وهو Oxy Mind وتوقفت الشركة المنتجة له فى أمريكا عن صنعه. بعد يأسى من الحصول عليه، نشرتُ على صفحتى أسألُ الأصدقاء إن كان الدواءُ موجودًا فى أى دولة أخرى. وتجيّش القراءُ الأعزاءُ من كلِّ حدب وصوب لمساعدتى. كلٌّ يبحثُ عن الدواء فى بلد إقامته. لم أجد الدواءَ ولا بدائلَ له، لكننى حصدتُ عشرات القلوب الجميلة التى أوقفت حياتَها لمساعدة «عمر»، والبحث عن بدائل للدواء.

وفزتُ بصداقة هذه الجميلة التى أكتبُ اليومَ عن تجربتها الرائعة مع الأطفال فى الحضانة «غير الربحية» التى تديرها تحت إشراف الراهبات، وعن مشروع ريادى محترم تقيمه سنويًّا فى حضانتها بالشراكة مع المتاحف والجامعات فى مدينة «سيدنى»، حيث تجعل الأطفال يصنعون مع والديهم قطعًا فنيّة جميلة من الأشياء المهملة والمُلقاة. الفكرة الجميلة هنا ليس وحسب تحويل القمامة إلى قطع فنية، فتنجو البيئةُ من مخلفاتنا مع حصد الجمال، لكن الأهم هو مشاركة الآباء والأمهات مع الصغار فى المسابقة، فيرتبطُ الطفلُ مع والديه فى مشروع يستغرق أسابيعَ مشحونة بالعمل، فتتقاربُ الأرواحُ وتتواصلُ الأجيالُ وتنقطع حالُ الانفصال بين الطفل وأسرته. حتى إن أبًا كان منفصلا عن زوجته، انضم وشارك فى المسابقة مع الأم والطفلة، فحدث لمُّ الشمل الذى كان عصيًّا. تأخذ صديقتى الأطفالَ فى رحلات دورية للمتاحف وتصنع بهم معارضَ فنية فى شراكة مع «متحف الفن المعاصر» MCA فى أستراليا الذى تحمّس لعرض منتجاتهم القيمة على بساطتها. فتلك القطعُ الفنية لم يصنعها فنانون كبارٌ، بل صنعتها أكفٌّ صغيرةٌ لأطفال صغار تتفتح عيونُهم على الحياة وعلى الجمال وكيفية صناعته. هنا القيمة الرفيعة، وهنا الدرس القيّم.

فى تقرير مُصوّر عن التجربة، تحكى السيدة «جيل نيكول»، مديرة المتحف، عن مشروع صديقتى الذى بدأ عام 2019، وعن دراسة بحثية عُقدت بين المتحف وجامعة Macquarie University الأسترالية المرموقة والمعروفة بتوجهها البحثى وبرامجها التعليمية المبتكرة، تؤكد الأثر الإيجابى المذهل لمشاركة المعلمين والأسرة للأطفال، إذ ينشأ الأطفالُ فى صحة نفسية ممتازة، بعد اكتسابهم منتهى الثقة بالنفس حين يشعرون أنهم قادرون على صناعة الجمال وإنماء المجتمع والحفاظ على البيئة والتنمية المستدامة، مثلهم مثل الكبار. وفى نفس التقرير تحدثت صديقتى عن شغف الأطفال بالمسابقة السنوية وجديتهم فى صناعة الجمال مع معلميهم وذويهم، وكيف أنهم لا ينامون الليل قبل يوم المعرض من فرط الشغف والسعادة بعرض منتجاتهم فى أروقة المتحف الأسترالى للفن المعاصر.

ولم تتوقف صديقتى عند مستوى تعليم الصغار صناعة الجمال المادى المتمثل فى لوحاتٍ ومنحوتاتٍ وتراكيبَ فنية جميلة من المهملات، بل انتقلت إلى المستوى الأعلى من التحضّر فى تعليمهم صناعة «الجمال المعنوى» والأخلاقى. علّمت أطفالها المشاركة فى الخدمة المجتمعية فيساعدون المسنين والأيتام والمرضى والمنكوبين. الأطفال فى حضانتها من جنسيات كثيرة وعقائد مختلفة وثقافات متباينة، لكن الإنسانية والتحضّر والحبَّ والشغف بصناعة الجمال المادى والمعنوى هو المظلة التى تجمعُ اختلافاتهم وترأب صدوعَ شتاتهم.

نسيتُ أن أخبركم أن شيئًا آخر يجمع بيننا هو حبّنا لزهرة الشمس Sun Flower التى تتبع النورَ أين توجّه، ونسيتُ أن أخبركم أن صديقتى الجميلة اسمها «أمانى غالى». أقول لها اليوم أشرقى كما زهرة الشمس، واجعلى الصغار يشرقون. وأهدى إليها هذه الكلمات:

 «زهرةُ الشمس»

ترفعُ أوراقَها البرتقالية

صوبَ السماء

فتمتدُّ خيوطُ الرحيق

لتشتبك بالسُّحب

وتصنع أرجوحاتٍ

تحملُ الصغارَ

إلى حدائق الفرح

حيثُ الإشراقُ

لا يخبو

والعصافيرُ

لا تنام.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صديقتى الأطفالُ والشغف صديقتى الأطفالُ والشغف



GMT 05:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

يتفقد أعلى القمم

GMT 05:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا و«تكويعة» أم كلثوم

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

تحولات البعث السوري بين 1963 و2024

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والنظام العربي المقبل

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

2024... سنة كسر عظم المقاومة والممانعة

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 00:23 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 08:23 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 20:55 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير الهجرة الكندي يؤكد أن بلاده بحاجة ماسة للمهاجرين

GMT 08:24 2016 الأحد ,28 شباط / فبراير

3 وجهات سياحيّة لملاقاة الدببة

GMT 03:37 2015 الإثنين ,08 حزيران / يونيو

عسر القراءة نتيجة سوء تواصل بين منطقتين في الدماغ

GMT 22:45 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

استمتع بتجربة مُميزة داخل فندق الثلج الكندي

GMT 02:49 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

ليال عبود تعلن عن مقاضاتها لأبو طلال وتلفزيون الجديد

GMT 04:52 2019 الخميس ,03 كانون الثاني / يناير

"هيئة الكتاب" تحدد خطوط السرفيس المتجهة للمعرض

GMT 04:47 2018 الأربعاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

شادي يفوز بكأس بطولة الاتحاد لقفز الحواجز

GMT 18:39 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

أجمل الأماكن حول العالم للاستمتاع بشهر العسل

GMT 17:16 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

وعد البحري تؤكّد استعدادها لطرح 5 أغاني خليجية قريبًا

GMT 05:14 2018 الخميس ,04 تشرين الأول / أكتوبر

إيرباص A321neo تتأهب لتشغيل رحلات بعيدة المدى
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates