بقلم: أسامة غريب
الحكام فى كل مكان بالعالم يمكن أن يختلفوا وتتباين الرؤى بينهم دون أن تدور ماكينات إعلامهم بإنتاج موجات الردح، ودون الكيد والمعايرة والمناكفة، لكن العرب تميزوا دون العالمين بأنهم أشداء على الأشقاء، لطفاء مع الغير. لو أن دولة فى أوروبا أو آسيا أو أمريكا الجنوبية اختلفت مع سياسة مصر، فلن تجد مسؤوليها يشدون الرحال إلى إثيوبيا ليجتمعوا بمسؤوليها ويقدمون خططاً ومشاريع اقتصادية ثم يتوجهون بعد ذلك إلى سد النهضة ليلتقطوا الصور إلى جانبه حتى يتم نشرها ويراها أصحاب الحكم فى مصر. هل تعرفون كم مسؤولاً عربياً اختلف سياسياً مع مصر وفى غضون أيام كانت صوره فى موقع سد النهضة الإثيوبى تملأ الصحف؟.. لا يفعل الحكام فى الغرب أو فى الشرق أياً من هذا، لكن أصحاب القرار العربى لا يفعلون سوى هذا، فكل زياراتهم واجتماعاتهم الخارجية وخططهم الاقتصادية وبرامجهم السياسية لا تهدف إلا إلى الكيد وإغاظة شقيق عربى آخر!. لقد أنفقوا من مخزون الضغينة حتى لم يتركوا منه شيئاً يوجهونه نحو العدو الحقيقى.. إسرائيل
كنا نظن أن الخلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية، لكن العرب برهنوا على أن هذا كلام الحالمين. الخلاف فى الرأى عندهم لا يماثله شىء فى محو الود واستبداله الضغينة به، لا يماثله شىء فى تدمير الصداقات ونسف العلاقات وتقطيع الروابط. إن الفرق بيننا وبين الذين قطعوا شوطاً طويلاً على طريق الديمقراطية ليس أننا نضيق بالخلاف بينما هم يحبونه، وإنما الفرق أنهم كفّوا عن الضحك على أنفسهم وودّعوا الأوهام، فنجحوا فى إدارة الخلاف بآليات الديمقراطية.. فعلوا ذلك دون حب أو غرام، وإنما حكّموا المصلحة التى اقتضت أنهم ما داموا سيعيشون متجاورين إلى الأبد فليجعلوا الكراهية الناشئة عن الخلاف - تلك التى لا مفر منها - تظهر على شكل أحزاب سياسية متنافسة وجمعيات أهلية متسابقة وجماعات ضغط متباينة الأهداف. ولقد ضمنوا بذلك أن نوازع الضغينة والغضب تجد مسارب مأمونة تجعلهم يواجهون العالم بعد ذلك بشكل طبيعى.
لكن لماذا يقوم الخلاف بإفساد الود بين العرب بالذات؟. أعتقد أن السبب يكمن فى اللاعقلانية التى لا تسمح لأى قدر من الشك أن يتسلل إلى المعتقدات والرؤى، لهذا فإننا عند الخلاف مع أصدقائنا أو من نحبهم نرى مواقفهم أصبحت مماثلة لمواقف الأعداء، فلا نستطيع أن نستمر فى حبهم، ونبدأ فى التشكك فى أنهم كانوا أنذالاً منذ البداية!. ولعل من الجدير بالذكر أن قدرة الإنسان على العيش مع من يختلفون عنه أو يختلفون معه تكون أكبر بالنسبة لمن كانت علاقته بهم هامشية، حيث تضعف عندئذ رغبتهم فى إيذائه، ولأن ذلك يمنحه أيضاً الفرصة فى إقناعهم أو هدايتهم، أما الخلاف مع ذوى القربى فهو نار لاهبة، خاصة لو كانت أطرافه عربية، وبالذات لو كانوا ممن يسكنون قصور الحكم!.