بقلم: أسامة غريب
أعترف بأننى على كثرة ما شاهدت من أفلام فى حياتى لم أحب ممثلاً كما أحببت همفرى بوجارت، لذا فقد سعدت أيما سعادة عندما رأيت معهد الفيلم الأمريكى عام 1999 يشاطرنى الرأى ويصنف «بوجارت» كأعظم نجم فى تاريخ السينما الأمريكية فى مائة عام. بدأ همفرى ديفوريست بوجارت، المولود عام 1899، حياته الفنية على مسارح برودواى عقب الحرب العالمية الأولى، لكنه توجه إلى السينما بعد الكساد العظيم الذى أصاب أمريكا اعتباراً من عام 1929. كانت أفلام العصابات هى ملعبه الأول الذى حقق من خلاله شهرة كبيرة، ومَن يشاهد الأفلام المصرية فى فترة الأربعينيات يعرف أن كثيراً منها منحوتة من أفلام العصابات الأمريكية التى تسيّدها «بوجارت»، حتى إن أشكال رجال العصابات الذين ظهروا فى أفلام أنور وجدى ومعه «المليجى» وفريد شوقى واستيفان روستى بملابسهم المخططة والبار الموجود فى كل شقة كانت مأخوذة من الأفلام الأجنبية، ولا ننسى فيلم «قطار الليل» لعماد حمدى وسامية جمال، والذى رأينا فيه سراج منير يقوم بشخصية بلطجى اسمه «المالطى»، ولم يكن هذا سوى تأثر بفيلم «الصقر المالطى» الذى قدمه «بوجارت» عام 1941 ومن خلاله إلى جوار فيلم «مرتفعات سييرا»، وُضع اسمه إلى جانب النجوم الكبار. لم يحبس الفنان الكبير نفسه فى أدوار العصابات والأفلام التى أُطلق عليها «السينما السوداء» المليئة بالغموض وإثارة التوتر، وإنما قدم قفزة كبيرة عام 1942 بتقديمه دوراً رومانسياً فى الفيلم الشهير «كازابلانكا» مع إنجريد برجمان.. ومن الغريب أن «برجمان» قد روت فى مذكراتها عن الفيلم أن «بوجارت» كان يعاملها بإهمال أثناء التصوير ويفضل قضاء وقت الاستراحة بين اللقطات يلعب الشطرنج مع نفسه عن التواجد معها!. حوالى منتصف الأربعينيات تعرّف على لورين باكال، وقدم معها فيلم «أن تملك ولا تملك» 1944 قبل أن يتزوجها ويقدما معاً مجموعة من الأفلام مثل «النوم العميق» و«الممر المظلم» و«كى لارجو». فاز عام 1951 بالأوسكار عن دوره فى فيلم «الملكة الأفريقية» مع كاثرين هيبورن، وكان فى هذا تعويض عن الجائزة التى رُشح لها ولم يفز بها عن فيلمى «كازابلانكا» و«تمرد على السفينة كين». كان «بوجارت» يشرب كثيراً ويدخن بشراهة، لذا لم يكن مستغرباً فى منتصف الخمسينيات وفى ذروة تألقه أن تضعف صحته وتهاجمه نوبات السعال قبل أن تتأكد إصابته بالسرطان. أجرى جراحة استئصالية فى مارس 1956 لكن السرطان انتشر وبدت النهاية وشيكة. تلقى «بوجارت» زيارة وهو على فراش المرض يوم 13 يناير 1957 من أصدقائه فرانك سيناترا وكاثرين هيبورن وسبنسر تريسى، وقد ذكرت «هيبورن»، فى لقاء صحفى فيما بعد، أن «تريسى» ربت على كتف «همفرى» قائلاً: تصبح على خير يا «بوجى»، فقام الأخير برفع عينيه فى بطء ومع ابتسامة حلوة ضغط على يد صديقه قائلاً: الوداع يا «سبنس»!.. توقف قلب سبنسر تريسى من المفاجأة.. لقد فهم أنها النهاية. فى الصباح التالى مات همفرى بوجارت.