بقلم: أسامة غريب
زمان كان معظم من يكتبون بالصحف من وزن طه حسين وعباس العقاد وحسين هيكل وعبد القادر المازنى وبيرم التونسى وتوفيق دياب ومصطفى أمين ومحمد التابعى، وفى مرحلة تالية كانوا فى قامة هيكل وأحمد بهاء الدين ويوسف إدريس ولويس عوض ويوسف جوهر ومحمد مندور ورجاء النقاش وشكرى عياد وجلال الحمامصى ومحمود عوض.
بعد تلك الأيام أتى على الإنسان المصرى حين من الدهر كان رئيس تحرير الأهرام فيه يفوز بجائزة أحسن كاتب فى الاستفتاء الذى تقوم الأهرام بعمله كل سنة!.. هذا على الرغم من أن الرجل بعد خلعه من منصبه لم يكتب مقالاً واحداً، ويقال إنه بفقده للمنصب فَقَدَ كُتّابه الذين كانوا يفوقون قراءه عدداً!.
واليوم ينظر المرء إلى الصحف وعينيه تتسعان من فرط الدهشة لحملات الدعاية والعلاقات العامة التى تتم على صفحات الجرائد والمجلات لأشخاص بأعينهم ليسوا أفضل الموجودين، لكنهم الندماء فى جلسات الأنس والنميمة، والشركاء فى البيزنس!. والنتيجة أن معظم المنشور لا يستحق عناء إلقاء نظرة عليه، وتأثيره على القارئ سيئ بكل تأكيد. ينظر الواحد إلى أسماء من يكتبون ويتساءل من هذا؟، يقولون: هذا صديق لرئيس التحرير من أيام الحارة ويكتب من باب الوفاء.. ومن هذا؟ يقولون: هذا الرجل يقوم بعمل طواجن لحمة بالفرن لا مثيل لها وفى الوقت نفسه يهوى الكتابة. ومن هذه؟ يقولون: هذه أرملة تشعر بالوحدة وتجد السلوى فى كتابة المقالات فلا بأس من تشجيعها.. ومن هذا؟ هذا من ضمن الخمسة بالمائة حالات خاصة الذين يفرض القانون تعيينهم!.
ومن هذا؟ هذا من أبناء الشهداء وقد كان والده من أبطال حرب البسوس. ومن هذه؟ هذه مطلقة تعول طفلين ويجب مساندتها. ومن هذا؟ هذا أحسن واحد يرقص بلدى فى حفلات الكبار ويطلبونه بالاسم فى مارينا وفى القطامية هايتس..ومن هذا؟ هذا هو المعبّر عن فكر صاحب المحل والمترجم الأمين لرؤاه وأفكاره.. ومن هذا؟ هذا موظف مفصول لسوء سلوكه.. آويناه وعلمناه صنعة بدلاً من أن يتسول فى الشوارع أو يتحول إلى قاتل مأجور! ومن هذه؟ هذه الحسناء يسعى الرجال فى أثرها ونحن نحصّنها بالكتابة حتى نبعدها عن سكة الغواية!. ومن هذا؟ هذا مندوب القلم المخصوص فى الجريدة وهو صاحب فكر متطور!. ومن هذا؟ هذا مذيع بالتليفزيون، ثقيل الدم حقاً، لكنه يستضيفنا فى برنامجه من وقت لآخر. ومن هذه؟ هذه أيضاً مذيعة لكنها واصلة، نحن نعلم حجم سخافتها لكننا باستكتابها نتقى شرها. ومن هذا؟ هذا ابن عم مسؤول أمن بورتو روض الفرج.. عنده مطعم فول وطعمية ويحب أن يرى اسمه مطبوعا فى جريدة. ومن هذا؟ هذا رجل أعمال يضع حرف دال قبل اسمه رغم أنه ساقط إعدادية، لكنه يكتب بفلوسه!.
إذا كان هذا هو الحال فالأولى أن ننكفئ ونحتشم ونشعر بالبلوى فنستتر، لا أن نقيم المهرجانات والليالى الملاح ومسابقات من سيربح البونبون!.