بقلم:أسامة غريب
كانت أمى ترقد بالعناية المركزة فاقدة الوعى وعلى مقربة من الموت، عندما طلبوا منى إحضار كيس أو اثنين من الدم من خارج المستشفى. عبثًا حاولت أن أشرح لهم أن المستشفيات حتى فى بلاد واق الواق لديها على الكمبيوتر تحديث مستمر لحالة مخزون الدم على مستوى البلاد وعدد أكياس الدم التى تتغير كل يوم فى كل منشأة طبية، وأنواع وفصائل الدم والبلازما والصفائح، بحيث إنهم بنقرة على الكمبيوتر يعرفون أين يوجد المطلوب فيطلبونه أونلاين ثم يصل إليهم بعد دقائق لإنقاذ حياة المريض!. نظروا لى فى ذهول وبان فى عيونهم الإشفاق على هذا الرجل الطيب الذى لا يعى من حقائق الحياة هنا أى شىء. المهم قمت بعدة اتصالات توجهت بعدها بصحبة أخى إلى بنك الدم بالعباسية وقد قيل لى إن هذا هو المكان الذى إذا لم أجد به بغيتى فلن أجدها فى أى مكان آخر. هناك وجدنا فتاة تتصدر الاستقبال فسألناها عن المطلوب فأجابت بشكل مباشر ودون بحث أو سؤال أو استدعاء مختص: هذه الفصيلة لا يوجد منها هنا ولكن يمكنكم البحث فى المستشفى الإيطالى القريب من هنا. ذهبنا للمستشفى الإيطالى فاعتذروا لعدم وجود الصنف. قام أخى بالاتصال ببنك الدم مرة أخرى فرد عليه شخص ابن حلال أخبره بوجود كيسين من الفصيلة المطلوبة على خلاف ما قالته الحسناء بمكتب الاستقبال. هرعنا إلى هناك مرة أخرى وقابلتنا الفتاة الكذابة بوجه ممتقع ولما واجهناها بأن الدم موجود وأنها صرفتنا دون وجه حق نظرت حولها فى ارتباك ثم صاحت: يا فوزى.. يا فوزى.. إنت فين؟.. قالت هذا ثم اندفعت صوب فوزى الذى لا وجود له وتركتنا غير مصدقين ما يحدث. بعدها ظهر رجل أخبرناه بالمطلوب فقال: نعم الدم موجود والكيس ثمنه ٨٥٠ جنيهًا وإذا أثبتنا صلة قرابة بالمريض من الدرجة الأولى فسيكون الثمن ثلاثمائة جنيه فقط.
قال أخى: الهوية غير مكتوب بها اسم الأم فماذا نفعل؟. اقترح الموظف إحضار صورة شهادة ميلاد أى من الإخوة أو الأخوات وبها بالضرورة اسم الوالدة، وشدد الموظف على ضرورة إحضار صورة ورقية. خرجنا من المكان وبدأنا فى الاتصالات التليفونية وتوالى وصول صور شهادات الميلاد على الموبايل. بعدها أخذنا فى البحث عن مكتبة فوجدنا واحدة فى حارة مواجهة لبنك الدم. قضينا قرابة الساعة مع موظف المكتبة وهو يحاول طبع شهادة الميلاد. أخيرًا ظفرنا بها فعدونا منهكين إلى الموظف الذى اختفى وحل محله واحد آخر قال لنا إنه لا يدرى شيئًا عن حكاية التخفيض وصلة القرابة وشهادة الميلاد، وأن كيس الدم سعره موحد!. دفعنا المطلوب وفى طريق الخروج صادفنا الكاذبة الحسناء فسألتها: هل وجدتِ فوزى؟.
أوصلنا الدم للمستشفى وبعدها بساعات تلقيت مكالمة تخبرنى بأن الله قد استرد وديعته. كنت أعلم أن أمى لن تنجو وأن الدم لن يفيد، ومع ذلك هل هناك من يتأخر أو يتكاسل فى أمر كهذا ولو أدى به الأمر للتعامل مع مهرجين كذابين؟.