بقلم: أسامة غريب
فى ذروة الهلع العالمى من فيروس كورونا كنت مضطرًا للسفر خارج مصر، وكان من حظى أن رحلتى هذه إلى إحدى العواصم العربية كانت الأخيرة قبل وقف حركة الطيران الدولى. داخل الطائرة كان القلق باديًا على الجميع سواء الركاب أو الطاقم وكانت الكمامات تكسو الوجوه. بعد الهبوط فى الساعة الخامسة مساء تلقفنا أحد الباصات ومضى يضرب بنا فى الصحراء المتاخمة للميناء الجوى ثم توقف بعد نصف ساعة كان الركاب أثناءها فى غاية القلق. كان من الواضح أن هذه هى منطقة الحجر الصحى بخيامها الواسعة واستعداداتها لاستقبال ركاب الطائرات. عندما دخلنا إلى الخيمة تم استقبالنا بواسطة الفريق الطبى الذى أجرى مسحًا حراريًا على الجميع قبل أن يقوم بتوزيع الكمامات والقفازات علينا. الخيمة متسعة جدًا تضم المقاعد والمناضد وبعض الأسِرّة وقد احتوت فى ذلك الوقت ركاب طائرتين كاملتين.
كان المنظر غريبًا يبعث على القلق خاصة أن كل من قابلناهم منذ هبطت الطائرة كانوا يرتدون ملابس فضائية معقمة.كنت أتصور أنه بعد قياس الحرارة سيتركوننا نتوكل على الله ونخرج خاصة أنهم وزعوا علينا إقرارات تضم بيانات كل شخص بما فيها عنوانه وتليفونه وتعليمات مشددة بالبقاء فى الحجر المنزلى لمدة 14 يومًا لا نخالط فيها أحدًا ولا نلتقى بأحد، مع التلويح بغرامة مالية باهظة والحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر!. لكن المكوث بالخيمة طال ولا أحد يجيب عن أسئلتنا وبدأت التكهنات تسرى بين الموجودين حتى انفتح باب داخل الخيمة ومن خلفه ظهر بعض موظفى الأمن الفضائيين يدعوننا للوقوف فى طابور حتى ندخل إلى الأطباء فى مجموعات تضم عشرة فى كل مرة من أجل أخذ عينة لتحليلها قبل السماح بإطلاق سراحنا. حدث تزاحم بالطابور والكل يريد أن يدخل أولًا.
وجدت نفسى أبتعد وآخذ ركنًا قصيًا أشاهد منه الأحداث وقررت أن أذهب للطابور مع الدفعة النهائية. فى ذلك الوقت أخذت عربات صغيرة يدفعها الموظفون تطوف بنا لتوزيع الماء والعصائر. بعد مرور حوالى أربع ساعات جاء دورى ودخلت إلى الأطباء الذين ضمتهم خيمة داخل الخيمة، وهؤلاء نقلوا البيانات من جوازات سفرنا.. بعدها أخذوا عينة عبارة عن مسحة من الأنف بإدخال خشبة رفيعة فى نهايتها قطنة إلى فتحتى الأنف وتم تحريز العينة تمهيدًا لإرسالها للمستشفى المركزى بوسط المدينة من أجل تحليلها. فى الساعة الحادية عشرة تم توزيع وجبات العشاء على الناس مع بطانية لكل فرد.
البطاطين وشت بأننا سنقضى الليل بطوله هنا. عندما انتصف الليل تم احتلال السراير القليلة والبعض افترش الأرض والمقاعد ودخل معظم الموجودين فى النوم. لم أستطع النوم وأمضيت الوقت فى قراءة رواية. فى السابعة صباحا أخبرونا بوصول النتائج ثم أوقفونا فى طابور للجوازات وتلتها صالة للجمارك ثم ركبنا أتوبيسات أوصلتنا خارج المطار.. وللحكاية بقية.