بقلم: أسامة غريب
دق جرس الباب وكان الأستاذ فهمى لا يزال يتقلب فى سريره. لقد أعطى نفسه إجازة ولن يذهب إلى المكتب اليوم، فما الداعى للنهوض المبكر من الفراش. استمر الجرس يدق فقام فى تثاقل وخطا نحو الباب ثم فتحه فوجد ولدًا لا يتعدى الخامسة عشرة من العمر يقف وفى يده شمّاعات عليها قمصان وبنطلونات. منظر الولد جعله يفهم من يكون، ومع هذا سأله: من أنت وماذا تريد؟. قال الفتى بصوت خفيض: أنا من عند زخارى المكوجى وهذه الأشياء تخصكم. فرك عينيه بيديه ثم دعاه للدخول. تقدم هذا خطوة ثم خلع نعليه وتركهما خارج الشقة ومضى نحو الكنبة الكبيرة فأراح عليها حمولته من الملابس.
كان الأستاذ فهمى جارًا لنا يعيش وحيدًا بعد وفاة زوجته التى تركته دون أن تنجب له أبناء، ولعل شروده وحديثه إلى نفسه كانا السبب فى السمعة التى التصقت به كرجل غريب الأطوار. كان السكان ينسجون حوله حكايات عجيبة فزعموا أنه مخاوى جنيّة، وهناك من قال إنه ينصب فى شقته مشنقة للقطط بعد أن يصطادها من على السلم حيث تلقى مصيرها الفاجع فى الصالة الفسيحة.
لم أكن ممن يصدقون ما يقال عنه، وكنت أعتقد أنه رجل وحيد حزين، كُتب عليه أن يعيش فى مكان لا أحد فيه يحترم خلوة الناس ولا أحزانهم. أغلب الظن أن هذه القصص الغريبة من اختلاق خيال مريض، ويبدو أن الإنسان عندما يعيش فى حاله ولا يخالط أحدًا فإن هذا يستفز الجيران لمعرفة خصوصياته، فلما يفشلون ينهشونه ويشيعون أنه مجنون!.
سأل الأستاذ فهمى الولد المكوجى كم يريد وهو يمضى إلى الداخل لإحضار الفلوس..عاد إليه وقبل أن ينقده حسابه نظر لعينيه اللتين كان يفتحهما بصعوبة ورموشه التى ترمش بمعدل متسارع، فأحس بإشفاق نحو الولد وخشى أن يكون مصابًا بالرمد أو بأى من الأمراض التى تصيب العيون.
وضع يده على كتفه وسأله فى ود: ما اسمك يا بنى؟. رد الولد: رومانى. لم يستطع الرجل أن يخفى دهشته فقال: رومانى؟.. رومانى إزاى يعنى؟ أجاب الولد فى ارتباك: إزاى يعنى إيه؟ اسمى رومانى!.
نظر الأستاذ فهمى إليه فى تشكك قبل أن يسأله: هل تناولت إفطارًا؟ هز الفتى رأسه نفيًا، فقال له: اجلس يا ابنى هنا ريثما أجهز لقمة ونفطر معًا. بعد قليل عاد صاحب البيت ومعه صينية الإفطار، وبدا على الفتى من لهفته على الطعام أنه هالك من شدة الجوع. سأله الأستاذ فهمى: من أين أنت يا رومانى؟. قال: من جرجا فى الصعيد، وقد أتيت من أجل العمل فى مصر. قال الرجل وهو يزدرد لقمة مع قرص طعمية: تصدق بالله يا رومانى؟. لم يرد رومانى فأكمل الأستاذ فهمى: والله ما أجلستك هنا وقدمت لك الإفطار إلا من أجل أن أكتشف السر!. قال الولد فى قلق: أى سر؟.. وغدًا نكمل.