بقلم - أسامة غريب
كان إبراهيم ابن المعلم سنون أكبر منا قليلاً وكان يتميز بالطول وبالسُمرة الصناعية (ليست تان لكنها وساخة) فلم يكن يرتدى حذاء أبداً، وكان يخرج فى طلعات قنص على أطراف الحى فيعود وفى يده زجاجة لبن سرقها من محل بعد أن غافل صاحبه أو ساندويتش أخذه من يد تلميذ بعد أن نظر فى عينيه فأخافه!.. كان يكفى إبراهيم أن ينظر فى عينى تلميذ حتى يأخذ التلميذ فى البكاء ويترك ساندويتشاته وزمزمية الماء ويجرى. ومع ذلك كنا نسمح لإبراهيم سنون أن يلعب معنا فى تقسيمة الكرة، وكنا نجعله يقف حارساً للمرمى لنتجنب لمسه والاحتكاك به قدر الإمكان. أما عندما كنا نلعب بِلْى فإن إبراهيم كان يفرض نفسه ويلعب معنا بالإكراه، ولم يكن يقبل الخسارة مثل دونالد ترامب!. ذات مرة لعب معى فخسر واستوليت على كل البلى الذى معه.. نظر فى عينىّ متوقعاً أن أخاف وأعيد إليه ما خسره فلم أهتز.. أسقط فى يده فانصرف سريعاً واختفى ثم عاد بعد قليل ومعه صديق متشرد ذو وجه إجرامى اسمه أبوالليل.
طلب منى أن أستأنف اللعب معه ومع أبوالليل وقال لى: كفّينى لعب.. لقد اتفقنا أن القومة على التأليش!.. وهو مصطلح فى دنيا القمار يناقض النوع الآخر وهو القومة على الكيف!.. على الكيف يعنى بإمكانك الانسحاب فى أى لحظة أثناء اللعب، أما القومة على التأليش فتعنى أن أجلس معه حتى آخر قرش أو آخر بلية.. ورغم أننى أفقدته كل ما معه، فها هو يتزود من جديد ويأتى وفى يده أبوالليل.. المخيف.
كان إبراهيم سنون مفزعاً بالنسبة للأغراب، أما نحن وقد تعودنا عليه فلم يكن يخيفنا كثيراً، لكن بالنسبة للأخ أبوالليل الذى لم نعرف من أين أتى فالوضع كان مختلفاً.. لقد خشيت من الدخول فى منازلة مع الوحشَيْن لن تكون نتائجها مضمونة، فقررت أن أعيد لإبراهيم سنون ما خسره على أساس أننا أبناء حى واحد و(ما يصحّش نعض ف بعض).. كانت هذه مصطلحات حفظ ماء الوجه عند الهزيمة.. ولاتزال!.
تركنا الحى وانتقلنا لحى آخر وكبرت وسافرت خارج البلد وعشت سنوات طويلة بعيداً عن مصر ونسيت سنون وولده إبراهيم حتى كأنهما لم يكونا.. واليوم أصطدم على الرصيف فى الليل بكرتونة ينام فيها إبراهيم سنون وأتذكر كل ما فات.. نفس الوجه لكن زادته السنين تجاعيد وتشوهات. نظرت إليه طويلاً وهو متكوم فرفع بصره لأعلى ونظر بجانب عينه وقال بصوت متحشرج دون أن يرانى: عايز إيه بديك أمك!
لم أتمالك نفسى من الضحك فناولته ساندويتشين كنت أحضرتهما لعشائى وقلت له: خذ يا ابن الصرمة.. هذه لك. سحب اللفة منى بسرعة وهو يبصق فى الهواء.. خشيت أن تصيبنى بصقاته بعيدة المدى التى اكتسبها بالوراثة فابتعدت، ولكنى تذكرت أباه سنون الأصلى فسألته من بعيد: أبوك عايش ياض يا إبراهيم؟.
سعل وبصق وقال: مَيّتين أمك أنت وهوّا!