بقلم - أسامة غريب
كان الحاج سنقر يرى أن التليفزيون هو نعمة ربنا على الأجيال التى عاصرته، وقد بلغ أسفه على الأقدمين الذين لم يعرفوا هذا الجهاز السحرى مبلغًا كبيرًا..إذ لولا هذا الاختراع العظيم كيف كان سيعرف آخر المستجدات بخصوص مؤخرة رانيا وفستان ياسمين وبطانة ليلى وسيارة نمبر تو البورش الجديدة؟ كيف كان سيعرف أخبار الهضبة وتطورات الخلاف مع حبيبته، ومن كان سيحيطه علمًا بأخبار الرجل الذى ضاجع الأوزة بعد علاقة حب من طرف واحد، والزبال الذى عثر على ورقة بعشرة جنيه عندما كان يفرز الزبالة فأصر على إعادتها إلى صاحبها واستحق منه مكافأة ألف جنيه على أمانته!.
لقد أثار التليفزيون حاسته الصحفية الكامنة فأيقظها لدرجة أنه أصبح يتنبأ بالأخبار العظيمة قبل حدوثها، وعندما أذاعوا مقاطع فيديو لسيدة الترام التى تولت القيادة بعدما هربت الفرامل من السواق، فإن الحاج سنقر كان قد حلم فى الليلة السابقة بالترام يجرى على القضبان فكان بحلمه هذا كأنه يتنبأ بالحدث الكبير، أما الخبر الخاص ببائع الآيس كريم على شاطئ جمصة فإنه قدم له عبرة وعظة وجعله يفخر بالفقر والفقراء، فها هو واحد من أبناء الشعب يحرز إنجازًا تاريخيًا ويتمكن من خلال بيع الآيس كريم على الشواطئ من تربية ولدين، أحدهما عاطل والآخر سايس فى جراج. عندما أخبره بعض أصدقائه أن الوطن يزخر ببائعى روبابيكيا إلى جانب شباب زى الورد يسرحون بعربات بطاطا وترمس بما يجعل حدوتة بائع الآيس كريم غير مهمة، فإنه غضب وأحس أنهم مش وش نعمة، يريدون المقارنة بين فقراء الوطن وفقراء الشاشة الذين يتم اختيارهم وتسليط الضوء على كفاحهم ليكونوا قدوة لغيرهم من الشباب.
ذات مرة راودت الحاج سنقر فكرة فأرسل خطابًا للبرنامج الشهير مقترحًا أن يضيفوا فقرة عن شاب مكافح يسرح بقرد، وأن هذا القرد يقوم بحركات غير تقليدية لا علاقة لها بنوم العازب وعجين الفلاحة... إلخ الأفكار المستهلكة، وإنما يقوم بالتحليل الرياضى ويجب منحه فرصة أمام الشاشة. لم يفتّ فى عضد الحاج أنه لم يحصل على رد واستمر يشعر بالامتنان لمن عرّفوه بأخبار الرجل الذى خلع ملابس طفلته الرضيعة فى الشارع ليغيظ زوجته، وبالمرأة التى ضربت زوجها بالروسية لأنه تأخر عن حشو الكرنبة، وبالطفلة التى خرجت فى الصباح لتشترى هوهوز من البقال المجاور ثم عادت للبيت ومعها بسكويت بدلًا من الهوهوز، وهذا الخبر الأخير بالذات رآه الحاج سنقر مستحقًا لوقفة مجتمعية مع البقالين معدومى الضمير الذين يستغلون صغر سن الطفل فيبيعونه بسكويتًا بدلًا من الهوهوز!.
لكن صدمة الحاج سنقر كانت كبيرة فى أخيه ابن أمه وأبيه الذى سخر منه بشدة وأخبره أن ما يتابعه على الشاشة ليس أخبارًا وإنما هى مجرد وجبات من البرسيم!.. لم يغفر للأخ الجانح تفكيره المريض وسوء ظنه بمصادر العلم والبهجة لدرجة أن يعتبر منتجاتهم الراقية عبارة عن علف! وكان أكثر ما ضايقه من أخيه الاقتراح السخيف الذى طلب منه أن يتبناه وهو مناشدة المسؤولين إضافة شعبة جديدة بأقسام الإعلام بالجامعات فى مرحلة الدراسات العليا تحت اسم: دراسات البرسيم!.