بقلم - أسامة غريب
لو أن سكان العالم أجمع اتفقوا على اعتناق دين واحد فقط ونبذوا التباين والتنوع العقائدى الذى يميز الدنيا منذ فجر التاريخ، فهل يا ترى عندئذٍ يعم السلام والوئام، وتسود المحبة بين الناس بعد أن يعبدوا نفس الإله ويسترشدوا بتعاليم نبى واحد؟ فى ظنى أن السلام لن يتحقق، ولكن الذى سيحدث هو أن غزو بلاد الآخرين وقتل الناس لبعضهم البعض سوف يتم على أسس أكثر صدقًا بدلًا من الكذب وادعاء أن هذا القتل يتم لإعلاء كلمة الإله. لن نجد وقتها من يحارب تحت راية الصليب وهو يبغى احتلال الأرض وطرد السكان، ولن نجد من يتمسك بمزاعم توراتية فى أرض الميعاد التى وعدهم بها الرب، كما لن يفعل المسلمون ما فعله الخلفاء الأمويون الذين قتلوا أبناء الرسول وأحفاده وسبوا نساءه، ثم زعموا بعد ذلك أن غزوهم شمال إفريقيا والأندلس كان من أجل نصرة الإسلام!. وأعتقد أن جمعيات التبشير وجماعات الدعوة لا تحبذ الاستماع إلى آراء تقول إن السلام لن يتحقق حتى لو اعتنق سكان العالم جميعًا نفس الدين، والدليل أن الحرب العالمية الثانية ومثلها الحرب الأولى قد دارت رحاهما بالأساس بين مسيحيين يجمعهم صليب واحد، وهذا الدين الواحد لم يمنع موت عشرات الملايين ولم يشفع للنساء والأطفال والمدنيين العزل. ولدينا حاليًا مثال صارخ وهو سوريا التى يتقاتل بها عشرات الجيوش والتنظيمات والميليشيات والفصائل، وكلهم مسلمون يحاربون مسلمين.
وحتى الدول التى نشأت على أساس دينى مثل باكستان التى انفصلت عن الهند وتأسست عام 1947 لم تنعم بالسلام، إذ إنها انقسمت بدورها عام 1971 لتظهر دولة إسلامية جديدة هى بنجلاديش، ولم يمنع الدين الواحد الذى جمع بين أبناء باكستان من أن يتم قتل رئيس وزرائها ذوالفقار على بوتو شنقًا. ترى هل كان المصير سيصبح أكثر قتامة لو لم يتم فصل الهندوس عن المسلمين؟ لا أدرى، ولكن ما أدريه أن استقلال أبناء الدين الواحد بدولة تخصهم لا يكفل وحده السلام أو يحقق السعادة فى ظل غياب عوامل أخرى أهمها احترام التنوع فى الأفكار، ولو كان هذا الاحترام للتنوع موجودًا لما ظهرت الحاجة إلى الاستقلال بدولة من الأساس، ولننظر إلى الدول المستقرة التى تضم أديانًا متعددة وأعراقًا متنوعة وأكثر من لغة ومع ذلك يحتكمون جميعًا إلى قانون يمنحهم حقوقًا متساوية بصرف النظر عن الخلفيات والمعتقدات.
إذن إيمان الناس جميعًا بدين واحد لن يأتى بالسلام بالضرورة، لكنه على الأقل سيجعل تبادل قطع الرقاب يتم على أسس براجماتية مفهومة بدلاً من الزعم بأن هذا يتم مرضاة لله!.