بقلم: أسامة غريب
كان بعض أفراد الشلة قد أنهى الدراسة الجامعية وانخرط في الحياة العملية، بينما أعضاء آخرون مازالوا في آخر سنوات الدراسة.. على أي الأحوال لم يؤثر ذلك على التقليد الراسخ بالاجتماع على ناصية الشارع كل ليلة لتدارس أحوال العباد، وبالذات أحوال بنات حواء من سكان الحى اللواتى كبرن مثلنا وبدأ العرسان يطرقون أبوابهن.
في تلك المرحلة كان الحديث عن كرة القدم قد بهت، ولم يعد تدبير مباريات نلعبها مع شباب من أحياء أخرى له نفس الأهمية التي كان عليها في السابق، وقلّ أن نجد بيننا من ينشغل بالاتفاق على ماتش والعمل على تأجير ملعب تجرى عليه المباراة. أيضًا خبت أدوار الشطرنج التي كانت متوهجة وكنا نصحو وننام عليها منذ سنوات. بصراحة.. بات واضحًا أن اهتماماتنا قد تحورت على غير اتفاق وأصبحت في معظمها عبارة عن انشغال بالفتيات.
كان دخول الجامعة قد كسر حاجز الخجل بيننا وبين الجنس الآخر وصار بوسع الواحد أن يتقدم لمحادثة فتاة دون أن يرتبك أو يشعر بأنه مقدم على حدث جلل.. لذلك لم يكن مستغربًا أن هناك من بيننا من ارتبط أثناء الدراسة وخرج من الجامعة وفى يده زوجة المستقبل. لكن مع ذلك فإن العدد الأكبر منا كان لايزال غير مرتبط يتحين الفرصة ليتعرف على الفتاة المناسبة.
لم تكن مشكلة جيلنا هي مشكلة الأجيال السابقة منذ عشرات السنين عندما كان اللقاء صعبًا والاختيار بيد الأهل، ولا كانت مشكلته أن دوائرنا تخلو من الفتيات، ولا كانت مثلما صوّر يوسف إدريس في إحدى قصصه القصيرة أن المشكلة كانت تكمن في عجز من يحب عن مصارحة المحبوبة بحقيقة مشاعره.. بالعكس كان بوسع الواحد أن يفاتح البنت إذا أعجبته بأمر رغبته في التقدم لخطبتها حتى تكون قد أصبحت من نصيبه في نفس الأسبوع. لكن مشكلتنا في تلك الفترة كانت أن الطموح العاطفى أصبح زائدًا عن الطبيعى ولم يعد الشاب يقنع بالحصول على فتاة واحدة والزواج بها ثم ينتهى الأمر.. كان هناك هوس بالتواجد في كل دوائر اللعبة، أي لا مانع من وجود فتاة «يمشى معاها» وفتاة أخرى يصادقها بشكل أقرب إلى الأخوى، وثالثة تكون مرشحة لتتحول إلى حبيبة.. وقبل هؤلاء جميعًا لا بأس بامرأة يعيش معها فنون الجنس سواء كانت مطلقة أو أرملة أو حتى متزوجة!
كانت الشهية مفتوحة على كل أنواع العلاقات، والقلب الغض لم يكن بريئًا تمامًا والصفحة البيضاء كانت تستعد بفرحة شديدة لتتلوث.
في إحدى الأمسيات أقبل علينا صديقنا حسن وهو مهندس حديث التخرج.. كان وجهه يتهلل بالفرحة. وقف معنا قليلًا على الناصية والتهم بعينيه امرأة عابرة وروى لنا آخر نكتة، ثم انتحى بى جانبًا ودفعنى للسير معه حتى وصلنا للقهوة وحدنا.. ونكمل غدًا.