بقلم: أسامة غريب
أثناء الدراسة بالجامعة كان لنا صديق مفعم بالآمال الخاصة بالمستقبل وكان كثيراً ما يحدثنا عن مشروعاته التى يحلم بتحقيقها ولا يعوقه عنها سوى قلة المال وضيق ذات اليد. من هذه المشاريع فكرة تربية الكتاكيت ورعايتها حتى تكبر وتصبح دجاجاً وديوكاً تملأ العشة بالبيض وتملأ جيوبه بالمال. لم يكن يبالى بسخريتنا ومن الواضح أنه أخذ عن أهله هذه الأفكار الريفية للاستثمار وأراد نقلها إلى القاهرة على نطاق واسع. ظلت هذه الأفكار تراوده طيلة سنوات الدراسة وفهمنا منه أنه لا ينوى الاشتغال بالصحافة أو الإعلام، لكن بعد التخرج فوجئت بتعيينه بإحدى المؤسسات الصحفية فأدركت أن أحلامه فى البيزنس الخاص ذهبت أدراج الرياح فاستسلم وصار جورنالجياً! فى ذلك الوقت كانت توجد فى الصحيفة التى يعمل بها صديقى هذا مسابقة شهيرة اسمها مسابقة ليلة القدر، وكانت هذه المسابقة تقدم للفائزين المحظوظين مكافآت مالية طيبة. من نصيب صديقى أنه اشتغل بالقسم الذى كان يتولى عمل المسابقة ومتابعتها ابتداء من وضع الأسئلة وتلقى الإجابات وفرز خطابات المشاركين وصولاً إلى الذهاب إلى بيوت أصحاب الحظ السعيد وطرق أبوابهم لتسليمهم الجائزة المالية.
ذات مرة تم تكليفه بتسليم الجائزة لصاحب النصيب، لكن الذى حدث أنه عندما ذهب إلى الفائز فى منزله أخبره بأن الجريدة تمر بأزمة وأن الفلوس لن تكون جاهزة قبل شهر! أخذ الفلوس لنفسه ثم غاب عن الأنظار لعدة أيام!. لقد تذكر مشروعه القديم فاستسلم للغواية وقرر أن يستثمر المال فى شراء الكتاكيت وانتوى أن يأخذ من المكسب ويعيد للفائز فلوسه ويا دار ما دخلك شر!. ذهب صاحبنا إلى قريته فى محافظة البحيرة وعاد فى سيارة نصف نقل ومعه شحنة كبيرة من الكتاكيت وقام بتجهيز أعشاش لها فى شقته ثم قضى أياماً متتالية يشرف على المشروع فيضع الماء والحبوب لأفراخه الصغيرة ويحدث نفسه بأن الخير الوفير فى الطريق، إذ سرعان ما تكبر الكتاكيت فيبيعها ويبيع البيض ويشترى شحنة أخرى أكبر وتتوالى المكاسب. لكن المفاجأة أن الكتاكيت تأثرت ببرد الشتاء وأصابها المرض ثم بدأت تموت فى مجموعات وهو لا يدرى ماذا يفعل. أحضر كتباً متخصصة فى تربية الطيور لكن القراءة لم تنفعه.
استنجد بالعارفين وبائعى الدواجن لكن كل المعلومات التى حصل عليها لم تفده فى إنقاذ ثروته وضاعت الكتاكيت فيما يسميه أهل الريف «فِرّة» أى وفاة جماعية. تأزم وضعه مع الجريدة وكاد مستقبله يضيع لولا أن أولاد الحلال من أبناء الدفعة تكاتفوا لينقذوا واحداً مجنوناً من أصدقائهم مسّه الحلم بالثروة من خلال تربية الكتاكيت بدلاً من تطوير أدواته كصحفى وتم لملمة الموضوع ودفع قيمة الجائزة للفائز.
هذه القصة حقيقية ولم أنشرها إلا بعد مرور ربع قرن على حدوثها استرشاداً بقانون الكشف عن المعلومات فى بلاد الفرنجة!