بقلم: كريمة كمال
ما جرى في قضية حادث طبيبات المنيا يجعلنا نقف طويلا أمام كيف تتعامل وزارة الصحة مع الأطباء، فقد كشفت المراسلات التي جرت على الواتس آب كيف تم تهديد الطبيبات، وكيف تم إخطارهن متأخرا جدا مما لم يتح لهن الفرصة لأن يحجزن في قطار، وهو وسيلة أكثر أمانا من الميكروباص الذي اضطررن لأن يستقللنه.. إن الحادث قد كشف حقيقة ما يجرى في الوزارة فدائما ما يتلقى الأطباء أوامر إدارية مفاجئة وتم إبلاغ الطبيب قبل السفر بيوم واحد فقط دون مراعاة الظروف الصحية أو الاجتماعية وإذا رفض الطبيب التنفيذ يتعرض لجميع أنواع التعسف مثل الجزاء أو النقل إلى محافظات بعيدة وأحيانا تصل إلى الفصل.. كل ذلك كشف طريقة التعامل وحجم الضغوط على الأطباء مما لا يجعلنا نتساءل لماذا يهرب الأطباء من العمل في الوزارة، ولماذا يستقيلون الواحد تلو الآخر حتى إن هناك 3500 طبيب قد استقالوا في عام 2019 وحده مقارنة بالعدد في 2018 الذي كان 2600 طبيب فقط أي أن العدد في تزايد واضح والسبب كما قيل هو التعسف الإدارى، وإذا ما أضفنا إلى ذلك المرتبات الهزيلة وساعات العمل الطويلة وبدل العدوى المضحك بل وكل حالات الاعتداء عليهم من المرضى وذويهم وهى الحالات الدائمة التكرار يمكننا أن ندرك حال الأطباء ولا نعود لنتساءل لماذا يستقيلون بل ولماذا يهاجرون خارج البلاد.
المقابل المادى ضئيل بل وتحكمه ضوابط عقيمة فلا يوجد مقابل مادى للنقل أو الانتداب ويحصل الطبيب على نفس مرتبه دون أي زيادة بل ويتحمل تكاليف انتقاله على حسابه الشخصى وهو ما حدث مع طبيبات المنيا حيث قمن باستئجار ميكروباص خاص على حسابهن حتى ينقلهن إلى مكان التدريب في القاهرة وكل هذا رغم أن التدريب كان يمكن أن يتم في جامعة المنيا أو مركز أورام المنيا دون حاجة للسفر إلى القاهرة.
ما يتعرض له الأطباء قائمة طويلة منها على سبيل المثال السكن غير الآدمى للأطباء، ولا يمكن لنا أن ننسى الدكتورة سارة أبوبكر التي توفيت في سكن الأطباء نتيجة للصعق الكهربائى.. أيضا يتحمل الطبيب بدخله المتردى تكاليف مصاريف الدراسات العليا.. بدل العدوى مشكلة أخرى فهو لا يتخطى تسعة عشر جنيها رغم أن هناك وفيات كثر بين الأطباء بسبب العدوى مثل الطبيبين أحمد عبداللطيف وداليا محرز والزيادة القليلة التي أقرها القانون في 2014 لا تساوى شيئا الآن.
المشكلة الحقيقية أن الطبيب هو صلب المنظومة الصحية وهو أهم عنصر فيها، ولذلك لا يمكننا أن نوفر منظومة صحية دون طبيب يحصل على حقوقه أولا ولا يتعرض لكل تلك الضغوط لأن النتيجة أن الطبيب الذي لا يحصل على حقوقه لا يفكر فقط في الاستقالة ولا يقدم فقط عليها بل يسعى للهجرة خارج البلاد فكل ما يفتقده في الداخل يمكن أن يجده في الخارج، ولذلك نجد أن الاستقالات تتوالى وحالات الهجرة تزيد عاما بعد عام فهل سنستطيع تقديم خدمة صحية دون عدد كاف من الأطباء؟.. إن هذا التعنت الإدارى الذي ظهر بوضوح في حالة طبيبات المنيا يجعلنا نعتقد أن وزارة الصحة ليست معنية بالحفاظ على حقوق الأطباء بل هي تهددهم بالنقل والفصل، وكأنها لا يعنيها هؤلاء الأطباء بل إنها قادرة على تهديدهم وتنفيذ مثل هذا التهديد غير معنية بتوفير عدد كاف من الأطباء مما تحتاجه فعلا العملية الصحية، وإلا لما هددت بالنقل والفصل بينما الأطباء يستقيلون ويهاجرون تماما خارج البلاد فهل تسعى الوزارة إلى اليوم الذي تفتقد فيه الأطباء في كل مستشفياتها إذا ما استمرت الاستقالات والهجرة.