عائشة سلطان
في كل مرة نسافر فيها نقول لأنفسنا نحن ذاهبون للمتعة والراحة، الفرجة أيضاً معنى آخر للمتعة، وحين نسافر يتحول كل شيء يقع في المسافة ما بين العين وما تراه إلى موضوع للفرجة والمتعة والسؤال، بعض المدن تحمل أسماء بلا معنى وبعضها تختبئ وراء أسمائها، وبعضها ترتدي أسماءها كأقنعة تخفي بها وجوهاً وحكايات وما لا يحكى ولا يقال، أما بعضها فما بين أسمائها وحقيقتها كما بين السماء والأرض، وبعضها يستمد اسمه من علاقته بالدين والسماء والأساطير والآلهة، فمدينة مكة وجد اسمها في القرآن «بكة» ومصر ذكرت في القرآن كذلك، وعاصمة القمار في الولايات المتحدة «لوس أنجلوس» يقال إن اسمها يعني مدينة الملائكة، وكذلك عاصمة مملكة تايلاند يحمل المعنى ذاته فـ «بانكوك» تعني مدينة الملائكة، وشتان بين الاسم والحقيقة!
منذ الوهلة الأولى التي تقطع فيها شوارع بانكوك تعرف صلة المدينة بأشهر آلهة سكان الشرق الأقصى «بوذا»، فتمثاله يتوزع في كل شارع وركن وأمام أشهر المقاهي وفي بهو أفخم الفنادق، مزركشاً بكل ألوان الطيف ومحاطاً في بيته المهيب بأفخر الزهور، وأمامه غالباً ما توضع أطعمة مختلفة مما يتناوله سكان المدينة، يعتقدون أن روح الإله تتنزل مساء لتأكل وتبارك الطعام
في كل مرة أزور فيها هذه البلاد، يلفت نظري أمران: دماثة الناس وتماثيل بوذا أو الإله إندرا، مبجلاً ومحتفى به وبطعامه وأساطيره، لا أحد يمر ساخراً أو محاولاً العبث أو المساس بهيبة التمثال، الدين والملك لهما مكانة رفيعة جداً، سألت فتاة كانت تعتني بنظافة النصب الخاص بالإله عن الأطعمة الموجودة أمامه، فقالت إن الفندق يوفرها له وإنها تبقى حتى تتنزل روح الإله ليلاً لتأخذها، جادلتها بأن الآلهة لا تأكل ولا تنتظر طعامها من البشر فابتسمت قائلة: أنا أؤمن بأنها تفعل!
في محل الصرافة شاكست فتاة أخرى عن صورة الشاب الوسيم التي أعلى رأسها، وكنت أعلم بأنها صورة الملك، قالت هي للملك، قلت لها لكن ما أعرفه أن الملك عجوز وليس شاباً، ابتسمت وقالت هذه صورته منذ 40 عاماً، سألتها كيف يبدو الآن؟ أخرجت ورقة نقدية من فئة خمسين بات، وقالت هذا هو! ثم أشاحت بوجهها كمن لا تريد أن تناقش فكرة شيخوخة الملك أو فنائه! فخرجت سريعاً من المحل خوفاً من ردة فعل غير متوقعة، مع علمي بمدى تأدب هذا الشعب، أيقنت أنه كما لا يجب أن تسأل المرأة عن عمرها، فلا تسأل بعض الشعوب عن ملكهم ولا عن آلهتهم!