حدثتني أمي

حدثتني أمي

حدثتني أمي

 صوت الإمارات -

حدثتني أمي

عائشة سلطان

تقول أمي إنه في أواخر عهدنا بحي «عيال ناصر» كان يلاصق بيتنا من جهة البحر بيت كبير جداً تسكنه عائلة يشتغل رجالها بتجارة بيع الأقمشة، الأب الكبير واثنان من أبنائه، تعود أصولهم إلى إيران قدموا منها سنوات الثلاثينيات عندما كانت الأزمة الاقتصادية الكبرى تعصف بمصائر الناس هنا وفي كل مكان، إلى درجة أن كثيرين قد ماتوا هنا من الجوع، وتركت أسر بيوتها، ورحلت إلى دول أخرى قريبة، بحثا عن العمل والرزق، كانت مدينتنا على الرغم من الأزمة أفضل حالًا من غيرها لكونها ميناءً مفتوحاً على العالم ولكون أهلها تجاراً وأهل سفر وسفن، لذا تمكنوا من الصمود أكثر من غيرهم، واستقبلوا في مدينتهم أعداداً كبيرة من العائلات والمهاجرين الذين وفدوا إليهم من كل المناطق، وقد استقر هؤلاء في أحياء جديدة عرفت بأسماء مناطقهم التي جاؤوا منها أو العائلات التي ينتمون إليها، فاتسعت المدينة ونشطت أكثر وتغير كثير من ملامحها، معتمدة على الانفتاح والتسامح وقبول الآخر، لكنها حافظت على رصانتها على طول الخط، فلم تتسامح مع هؤلاء القادمين حين كانوا يتجاوزون الخطوط الحمراء، فيما يخص ما اعتادوا عليه من موروث العادات والسلوك.

حدثتني أمي أيضاً عن مدير عام الميناء، سيف بن سالم، الرجل الصارم كاسمه والقليل الكلام، كلمته نافذة على الكبير والصغير لا ترد ولا تكسر لأي ظرف كان، كانت النساء يخوفن أبناءهن به، وكان الصبي إذا قيل له سأخبر سيف بن سالم بما فعلت، يرتعد كمن أصابته حمى، كان طويل القامة في غير إسراف، نحيف الجسد لقلة ما يتناوله من طعام، يعتمر عمامة بيضاء، يلفها بإحكام على رأسه، فلا يرى إلا معمماً، ثيابه البياض دائماً، وكان يرى أن الرجل الذي يلون في ثيابه يفقد موروثات أهله وعادات الرجال، لا يحب تقليد الآخرين في ثيابهم أو مطعمهم أو طريقة كلامهم، كان يسير في أحد الأزقة يوماً عائداً من الميناء إلى بيته فرأى فتى في آخر الزقاق صرخ فيه أن يتوقف بمجرد أن لمحه، ناداه أن يأتي ووقف حتى وصل الفتى ووقف أمامه منكس الرأس، سأله عن اسمه واسم أبيه، ثم وضع يديه في فتحة ثوب الفتى عند العنق وشقها إلى نصفين، كاد الفتى أن يتبول على نفسه من الخوف، ولو فعلها لكان حدث له ما لا يحمد عقباه، قال له اذهب إلى أبيك، وقل له سيف بن سالم فعل بي ذلك، وقل له إذا سألك عن السب بأن الرجل إذا غير ثوبه فرط في شرفه !

حدثتني أمي عن امرأة كانت كنيتها المجنونة، ولطالما تجنبها الناس ودعوا الله أن يجنبهم أذاها، جنونها اتخذ مساراً عجيباً، لم تكن تؤذي الصغار أو ترمي المارة بالحجارة، لكنها تعرف على وجه الدقة متى تنتهي نسوة الحي من إعداد طعام الغداء، فتغافل أهل البيت الذي اختارته، وتسرق قدر الغداء، وتنطلق به باتجاه البحر، تدخله حتى يظن من ينظر إليها أنها على وشك الغرق، لكنها تتوقف في اللحظة الحاسمة مفرغة القدر في لجة البحر وعائدة من حيث جاءت، فإذا اكتشف أهل الدار الفاجعة، وصادف أن التقوها سألوها لماذا فعلت ذلك؟ لماذا تحرمينا من الغداء اليوم؟ تقول كمن تفلسف جنونها اللامبرر: هناك مخلوقات أخرى أيضاً تريد أن تتغدى وتأكل، لستم وحدكم في هذا العالم !!

حدثتني أمي كثيراً عن امرأة كانت تعرف لغة الكون، ماذا تقول الريح، وبماذا يهمس الموج وهو يتدحرج على الشاطئ في أبديته اللانهائية، كانت تحب القطط، وتعالج المرضى، وتمسح على أصحاب القروح والأوجاع المستعصية، كنت أسمعها، وأتذكر شخصيات مشابهة صادفتها في حكايات وروايات كبار روائيي أميركا الجنوبية ومصر وفرنسا ولبنان والجزائر، هناك شخصيات ثابتة لم تكن المدينة تخلو منهم: المجنون، ورجل الدين، والمرأة، و الرجل المتناهي النورانية، المدن كانت كأنها ولدت من رحم واحدة تتشابه في جيناتها وملامحها في مختلف أرجاء الكرة الأرضية، ربما لأن الإنسان الذي بناها ينطلق من الجذر نفسه !

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حدثتني أمي حدثتني أمي



GMT 01:34 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الخاسر... الثاني من اليمين

GMT 01:33 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب «الجيل الرابع» تخوضها إسرائيل في لبنان!

GMT 01:29 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة الرئيس المنتخب أم الفوهرر ترمب؟

GMT 01:28 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الفكرة بدأت في الرياض

GMT 01:28 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الفكرة بدأت في الرياض

GMT 01:28 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

مسعَد بولس بعد وعود ترمب

GMT 01:27 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عن قمّة الفرص في إقليم مضطرب

GMT 01:26 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

أولوية مشروع الدولة!

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة - صوت الإمارات
تلهم النجمة المصرية تارا عماد متابعاتها العاشقات للموضة بإطلالاتها اليومية الأنيقة التي تعكس ذوقها الراقي في عالم الأزياء، بأسلوب هادئ ومميز، وتحرص تارا على مشاركة متابعيها إطلالاتها اليومية، وأيضا أزياء السهرات التي تعتمدها للتألق في فعاليات الفن والموضة، والتي تناسب طويلات القامة، وهذه لمحات من أناقة النجمة المصرية بأزياء راقية من أشهر الماركات العالمية، والتي تلهمك لإطلالاتك الصباحية والمسائية. تارا عماد بإطلالة حريرية رقيقة كانت النجمة المصرية تارا عماد حاضرة يوم أمس في عرض مجموعة ربيع وصيف 2025 للعبايات لعلامة برونيلو كوتشينيلي، والتي قدمتها الدار في صحراء دبي، وتألقت تارا في تلك الأجواء الصحراوية الساحرة بإطلالة متناغمة برقتها، ولونها النيود المحاكي للكثبان الرملية، وتميز الفستان بتصميم طويل من القماش الحرير...المزيد

GMT 19:18 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة
 صوت الإمارات - فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 14:49 2018 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

محلات "pinkie girl" تطرح فساتين مخملية في شتاء 2018

GMT 06:04 2015 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

التنورة المطبّعة تمنح المرأة العاملة الأناقة والتميّز

GMT 12:39 2015 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيندي" تكشف عن ساعة "سيليريا" الجديدة للمرأة المثالية الأنيقة

GMT 20:36 2013 السبت ,06 إبريل / نيسان

مراحل التطور الجسمانى عند الطفل

GMT 09:26 2018 الخميس ,01 شباط / فبراير

منزل إيلي صعب الجبلي في لبنان فخم وضخم

GMT 12:43 2014 السبت ,11 تشرين الأول / أكتوبر

غرفة الشارقة تشارك في معرض جيتكس 2014

GMT 22:09 2013 الجمعة ,18 كانون الثاني / يناير

مؤشر عقار أبوظبي يربح 23% منذ بداية 2013
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates