عائشة سلطان
السيطرة على الآخر لها أشكال كثيرة، ليس شرطا أن تكون القوة هي الطريقة الوحيدة، هناك من يسيطر مستغلًا الفكرة الدينية في أنقى تجلياتها، هناك من يتسلل إلى أدمغة الناس عبر الفن، هناك من يصنع حاجزاً ضخماً بينهم وبين الواقع ليبقيهم تحت وطأة الماضي وشروطه، هناك من يستخدم الضمير، وهناك من يستخدم البندقية والرصاصة، هناك من يحتلك بجيوشه وأساطيله وهناك من يحتلك دون أن يحرك قطعة سلاح واحدة لكنك تكون مستلبا تجاهه وكأن مسدساً عيار 9 مل موجها لرأسك، الغريب أن الناس تعتاد الانصياع أو الانقياد لمن يوجهها أو يسيطر عليها، تعتاد إلى درجة التعاطف مع الجلاد وهي الظاهرة التي باتت تعرف علمياً بمتلازمة ستوكهولم!
في أوروبا، القرون الوسطى، انساقت الجماهير وراء سطوة رجال الكنيسة الذين حرموا عليهم التعليم وجعلوا تعلم اللغة اللاتينية حكراً عليهم كي لا يجرؤ الناس على فتح الكتب وقراءتها ودحض كل الخزعبلات التي كان يكرسها رجال الكنيسة، حتى جاء من صرخ في الناس وعلق الجرس وبدد الأوهام، وحتى في هذه الحالة فإن الجماهير سارت وراء رجال الدين حين حكموا على جاليليو بالموت وبحرق كتبه حين خالف آراء الكنيسة وقال بكروية الأرض، الجماهير تتحول باعتياد السيطرة عليها إلى مجرد فئران ميكانيكية لا أكثر، تصير غوغاء بكل معنى الكلمة.
حينما دخلت تلك المرأة وابنتها إلى إحدى قرى الريف الفرنسي حاملة رياح تغيير عاصفة، لوضع القرية وترتيب العلاقة بين السكان والمحافظ كان كل شيء يبدو وكأن الناس قد اعتادوا الأوامر والنواهي بشكل مطلق، كان كل شيء محرماً، وظاهرياً كان الناس يبدون، متدينين، ومطيعين، ومصدقين، لكل ما يقال لهم، ومذعنين لكل ما يطلب منهم، في الحقيقة كان ذلك، هو ما توحي به قشرة القرية الظاهرية بينما تتفاعل تحت جلد القرية علاقات متصادمة وأفكار متطرفة وكثير من الغضب والنفور والرغبات الشرسة والشك ! نعم الشك في كل تلك التعليمات التي كان يمليها المحافظ الذي يبدو محافظاً ومتديناً ونزيهاً بينما الحقيقة غير ذلك تماماً!
وحدها تلك المرأة التي أقدمت بمشروع محل «الشيكولاتة» من استطاعت أن تهز كل الثبات الظاهري وأن تعيد خلق علاقات ومسارات أخرى على انقاض تلك الأشكال الظاهرة والمريضة، استطاعت أن تقنعهم بأن حبات الشيكولاتة كانت تبث في أرواحهم حياة مختلفة ورغبات لم يكونوا يتوقعونها، استطاعت أن تريهم أن الخنوع لا يخلق حياة ولا يؤسس علاقات صحية!