بقلم - عائشة سلطان
هذا التاريخ الذي تحول عيداً أو يوماً عالمياً للمرأة، أو ذكرى أيقونية تقترن بالمنجز الإنساني والإبداعي للمرأة، كيف أمكن تحويله كذلك؟ ماذا حدث في هذا اليوم تحديداً من عام 1908، عندما كان القرن العشرون بالكاد يتنفس سنواته الأولى، وقبل أن تهل الشرور الكبرى وتجتاح العالم الأوبئة والحروب والمجاعات؟
يقول كتاب ومؤرخو الحركات النسائية في العالم إن تاريخ الثامن من شهر مارس هو تاريخ سيئ في سجل الإنسان، لأنه يعيد للأذهان ذكرى مجزرة حدثت في 8/3/1908، وفي الولايات المتحدة على وجه التحديد!
لقد قام أحد أصحاب مصانع النسيج بإغلاق أبواب المصنع على النساء العاملات وأحرق المصنع بهن، فقط لأنهن تجرأن على الإضراب عن العمل داخل المصنع للمطالبة بتحسين ظروف عملهن وأجورهن، مما أدّى إلى وفاة كل النساء العاملات اللواتي كان عددهن 129 عاملة من الجنسيات الأمريكية والإيطالية، ولنتذكر فإن هذه المجزرة قد حدثت في بلد سيصم آذان الدنيا لاحقاً بالحديث عن الحرية والديمقراطية والمساواة!
عندما اشتعلت حركات نضال النساء ضد الظلم والتمييز مطالبات بالخبز والعدالة، بدأت المراجعات والتراجعات، ومحاولة تبييض السجل البشع لقلاع الديمقراطية الحالية، فكان هذا التاريخ اعترافاً بحجم الظلم والمعاناة والتجاوز بحق النساء العاملات المناضلات المطحونات في الدهاليز الخفية من المصانع الشرسة والشركات الرأسمالية الضخمة، ثم بعد ذلك بسنوات تحول ليوم أيقوني لجميع نساء العالم، كي يرفعن رؤوسهن معلنات عن صلابة مواقفهن، وإصرارهن على حقهن في الحلم، وأنهن سيبقين دوماً رموزاً واقعية للعطاء وجسراً ثابتاً صوب الحياة والنماء، وستظل نفوسهن عظيمة وعزمهن شاسعاً كما سماوات عامرة بنجوم لا تنطفئ.
وستتذكر هؤلاء النساء قول المتنبي وكأنه يتغنى بهن:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتأتي على قدر الكرام المكـارم
وتعظم في عين الصغير صغارهـا
وتصغر في عين العظيم العظائـم