بقلم - عائشة سلطان
يكون الموت جسر عبور للذاكرة القصية، كما يكون جسراً للحياة في أشكالها وصباحاتها التي قد لا تخطر لنا ببال، نكون في طريقنا، ماضين للحياة التي نعرفها ونحبها، الحياة في صورها الرائقة، لنلتقي صديقاً في مقهى، لندخل حانوت كتب، فنشتري كتاباً لذيذاً، أو لنشتري ثياباً ذات ضجيج مبهر، استعداداً لسفر سيحين قريباً.
هكذا في كل طريق نعبره للحياة، يعبر شبح غير مرئي، لكنه كثيف، وشديد الوطأة كذلك، إنه شبح الموت، الذي يعبر بجانبنا دون أن نراه، لكنه يرانا حتماً، تفصلنا عنه بضع ثوانٍ أحياناً، أو دعوة أم، أو قدر مؤجل غالباً!
تذكرت بكثافة حارقة، وأنا أتلقى خبر موت في العائلة صباح الأمس، كيف أنني كنت أبحث عن ذلك الكتاب بإلحاح غريب «سيجيء الموت، وستكون له عيناك»، كنت كأنني أذهب للمعرض لأسأل عن ذلك الكتاب.
اعتذر العارض الأول، والثاني أيضاً، أما الثالث، فخف سريعاً يبحث لي عنه في أجنحة أخرى، ثم عاد خالي الوفاض، قال لي عندما ستحضرين إلينا في شهر يناير، أثناء معرض القاهرة، سيكون الكتاب بانتظارك، وإذا بالمعرض يتأجل حتى الصيف المقبل!
أي خبر وفاة، هو خبر فاجع، فكيف يتلقى الآباء الصابرون الذين يتكبدون فجيعة موت أبنائهم هذا الخبر؟.
بقيت طوال نهار الأمس، مسمرة عند عتبة هذا السؤال، أجتر ذكرى كالمعجزة، حصلت أمامنا في العائلة، منذ عدة سنوات، كان ذلك يوم فقدت جدتي ذاكرتها بشكل مباغت، في اليوم نفسه الذي توفي فيه خالي (ابنها الوحيد)، كان فقدانها الذاكرة، هو الرحمة الكبرى، حتى لا تجن تلك الأم العجوز الضعيفة والمرهفة والمثقلة بالحنان والأوجاع!
ذلك هو المعنى المتجلي، حين ندعو لأحدهم بأن يصبره الله، ويربط على قلبه، فلا شيء يمكن أن يربط على قلب أم أو أب فقدا ولدهما، إلا معجزة النسيان.