بقلم - عائشة سلطان
ونحن نقطع طرقات النهار كل بطريقته، نجد عقولنا وكأنها توقفت لحظة عن الحركة، جمدت كنهر لفحته رياح ثلجية، قد تكون كلمات قليلة، أو صورة خاطفة لكنها قد تغير اتجاه سيرنا، أو تسمّرنا في نقطة ما، معلقين من أطراف الذاكرة!
في أيام العزلة والصمت الطويل، هجمت علينا جميعاً ذكريات كثيرة، أو مررنا بمواقف، جعلتنا نعيد التفكير والتقييم والمواقف، وقد استغرقنا ذلك كثيراً من الوقت، هذا بعض حصاد العزلة في الحقيقة، كنا نجلس طويلاً نعصر ثقوب الحكايات والذكريات، لا نتزحزح من مكاننا، كذئاب برية كامنة تنظر للأمام وتنتظر لتحظى بطريدتها!
تخيل أنك ذلك الشخص الذي يقود سيارته في طريق طويل بلا أفق، وكلما انطوى منه جزء تراءت لك ظلال وجوه وأصوات ومواقف، حتى تجد نفسك أمام لوحة هائلة تطالبك بالتوقف، فتقف!
ما الذي ألحَّ عليك وجعلك تقف؟ ماذا حدث لك وشعرت بأنك لن تعود بعده كما كنت؟ من أثر فيك لتلك الدرجة؟ من حفر عميقاً ذلك الثقب الغائر في قلبك؟ ما الذي لن تنساه؟ ما الذي لم تتوقعه؟ من هو الذي انكشف عارياً أمام مرآة وعيك وقلبك؟ ما الذي تمنيت لو أنك لم تعرفه أبداً أو لم تسمعه مصادفة، أو لم تكتشفه بالتجربة والبرهان، فغيّر كل ذلك مزاج أيامك وقلب مشاعرك وأعاد نظرتك إلى أشخاص وأمور كثيرة كنت تتمنى لو بقيت مشاعرك تجاههم كما هي؟
وبالمقابل، ما الذي استوقفك وأومض ذاكرتك فرحاً وحباً؟ ماذا اكتشفت وأحببت في نفسك وأهلك وأصدقائك؟ ماذا عرفت عن ذاتك؟ وماذا سجلت لصالح إنسانيتك؟
إن أيام العزلة القاسية والطويلة التي أغلقت الأمكنة والمدن والشوارع والمقاهي أمامنا، وتركتنا نهب الأسئلة الصعبة والحارقة فتحت أبواباً أخرى لحقائق ما كنا سنلتقيها لولا تلك العزلة!