بقلم - عائشة سلطان
لن أكون صادقة بما يكفي إذا قلت بأن الخارج يستهويني كثيراً كما كان في السابق، وبأنني أتمنى لو أنهض باكراً لأحمل حقائبي وأسافر مثلما تمنيت وتمنى غيري، ونحن نرزح تحت عبء العزل والحجر عندما كنا نعيش صدمة الجائحة في تلك الأيام التي تشبه حكايات نهاية العالم.
لقد تمنينا، وأضمرنا الكثير في دواخلنا، لكننا بشر موسومون بالضعف والخوف من المجهول، لذلك لن نخرج كما تمنينا، ولن نركض صوب المطارات ودور السينما والمقاهي كما خططنا وكما كنا نفعل قبل أربعة أشهر. شريان ما أريق فينا دونما سبب أو مبرر، لذلك فإن نزيف المخاوف والهواجس الذي ملأ الدنيا لا يزال يجري تحت أرجلنا كلما خطونا نحو الخارج! لا نتحدث عن عدم الثقة فيما قامت به أجهزة الدولة، والحكومة، فقد قاموا بجهود جبارة، وفعلوا المستحيل ليصدوا عنا هذا الوحش الذي كان يتمدد على طول الكوكب وعرضه، ولقد نجحوا في إبعاده عنا، لذلك فنحن نثق بكل الإجراءات الاحترازية، ومستعدون لتنفيذ كل ما يطلب منا.
إن أزمتنا مع الخارج بكل ما يندس في تفاصيله وما لا نراه، أزمتنا مع الجزع الإنساني الذي سربوه فينا يوماً بيوم. إن التفاصيل التي اشتقنا إليها، إن لم نتعامل معها بعفوية وبلا حذر مبالغ، فمن الصعب الاستمتاع بها قبل أن نستعيد عافية الأمان، عندها سنسافر إلى دنيا الله الجميلة دون هذه الإجراءات والطوابير والفحوصات، وسنتحلق حول موائد الطعام في مطاعمنا المفضلة دون حاجة لأن نمسح أطراف كل شيء ونجلس متباعدين لنأكل في صحون وبملاعق بلاستيكية!!
كيف لنا أن نتناول الحياة بالكمامات والقفازات ومبتعدين عن بعضنا؟ كيف نحلم بعين مغمضة ونلتهم الحياة بالشوكة والسكين، نحن أبناء الأيام والحياة الحلوة!