بقلم - عائشة سلطان
مضى عام كامل على آخر مرة كنت فيها في القاهرة، تلك الأيام من شهر فبراير المجيد من عام 2020، الشهر الذي نؤرخه باعتباره آخر عهدنا بالمشي أحراراً بلا خوف ولا وباء ولا حجر أو كمامات، فبعده انقلبت جهات الأرض، ولم يعد أي شيء كما كان.
اليوم تتوالى على الذاكرة، تذكارات السفر، صورنا في الأمكنة التي زرناها صحبة أصدقائنا، ضحكاتنا، وفناجين القهوة وأطباق الأطعمة وأكياس المشتريات، وصور السيلفي التي أصبحت من تذكارات الماضي، فننظر لأنفسنا ولحركتنا في التفاصيل بعينين: عين من دهشة وعين من حنين، بينما غيمة أسئلة تهطل فوق رؤوسنا!
هل نحن الذين في الصور؟ نحن بلا كمامات وقفازات ومحاذير، وبلا إجراءات احترازية؟ نعم نحن، وقد استطعنا أن نتغير وأن نتأقلم ونعتاد، ونعتزل المسافات والمغامرات ومدن البهجة بهذه السرعة وهذه القدرة؟
كتبت منذ عدة أيام على صفحتي هذه العبارة: اشتقت للسفر، واشتقت للقاهرة.
السفر الذي أغلقت جهاته أمامنا وخُتم عليه بكلمة «ممنوع لدواعي السلامة»، وقد كانت سلامتنا وسلامنا في اختراق مسافاته دوماً.
فلماذا القاهرة؟ لأنها مدينة تمتلك مزاجاً لا تملكه مدينة أخرى، وروحاً ضاجّة بالحياة والمحبة والترحاب وكسر الجمود، القاهرة مدينة طيبة، بسيطة، وقادرة على أن تكون على مقاس أحلام الجميع، فتمنح كل واحد منهم ما يتمنى وما يبحث عنه، مدينة مضيافة بكثير من الضجيج، وصريحة بكثير من التلقائية، تظهر لك كل عيوبها منذ اليوم الأول وهي تعلم أنك ستعطيها كل الأعذار وستدخل معها في تفاهم يكفيك ويكفيها، لتعيش فيها كما تريد دون أن يزعجك أحد ولا حتى المدينة نفسها!
ولذلك نشتاق إليها أولاً حين نشتاق إلى السفر، سواء احتفظت ببعض نقودها في جيبك وأنت عائد لوطنك أو لم تفعل، فالقاهرة تميمة حب إنسانية بحد ذاتها!