بقلم : عائشة سلطان
أهم ما استقر في نفسي وعقلي من درس أو تجربة «كورونا»، طيلة الشهور الماضية، التي اعتزلنا فيها في بيوتنا، هو ما يمكن أن أسميه بوعي النعم المنسية، ووعي المساحات المجهولة في داخلنا، لذلك، أسمي هذه العزلة وما حصل فيها، وما دار خلالها من حوارات ونقاشات، تجربة عظيمة!وبالمناسبة، فإن كليهما عظيم: التجربة بكل وطأتها، وفيروس «كورونا» بكل قسوته، لأنه قادنا بالفعل لمناطق مجهولة فينا وحولنا، من وعي الذات ووعي الحاجة ووعي الامتنان. فهل نحن كائنات ممتنة بالفعل، إن في زمن ما قبل «كورونا» أو خلاله؟ هل كنا نشعر بالامتنان كفضيلة عظيمة؟ هل كنا نمارسها؟
الامتنان هو تفكيرك في ما حولك، وشعورك بما لديك، هو، كما يعرفه علماء النفس، السلوك الإيجابي «الاعتراف بالخير والجميل في حياة المرء، والاعتراف بأن مصدراً من مصادر الخير يكمن خارج الذات»، بمعنى أنك لست مصدر كل خير والقوة والسعادة لنفسك، هناك رب منعم، وأشخاص وأشياء كثيرة تكمن سعادتنا في وجودها حولنا، كالوالدين والأصحاب مثلاً، وكالأشجار والطيور، والكتب، والأطفال و... أن تقول «شكراً أنا ممتن لك»، هو بداية العتبة، وأول الطريق لكونك شخصاً واعياً.
في هذه العزلة، شعرت بمدى تلك النعمة التي كنا جميعاً نتعامل معها، باعتبارها متاحاً مسلّماً بوجوده دون نقاش، كأن نخرج من بيوتنا متى شئنا، لنجلس مع أصدقائنا على أي مقهى نختاره! كأن يزورنا إخوتنا ونزور أهلنا، كأن نذهب للعمل كل صباح، كأن يذهب أبناؤنا للمدارس، كأن نصافح الآخرين بمودة، كأن.. كل هذا يبدو اليوم في حكم المستحيلات والممنوعات، لقد أيقنت أكثر أن لا شيء مضمون، وأن الشكر والامتنان، أول عتبات وعي النعم التي نرفل فيها!