بقلم : عائشة سلطان
لا يمر يوم دون أن تتسلم رسالة على جهاز هاتفك تحدثك بحنين مبالغ فيه وبالكثير من الصور التي تلاشت تماماً من الواقع اليومي في حياتنا، صور كثيرة عن تفاصيل ما كان من أمر ذاك الزمان الذي بات يعرف بـ«الزمن الجميل»، أخبار الناس، شكل البيوت، أنواع الأثاث، الطعام البسيط، ألعاب الأطفال، نمط التعليم، وسائل التواصل وأشكال السيارات، حتى تسريحات شعر البنات البدائية، والأغاني الساذجة، المسلسلات، علب الحلويات، المشروبات الغازية، أقلام الرصاص..
قائمة لا حصر لها من التفاصيل بل وتفاصيل التفاصيل التي كانت سائدة في تلك السنوات التي تباعدت عنا اليوم، والتي يحلو لنا أن نتغنى بجمالياتها على أنها من الزمن الجميل، فهل كان ذلك الزمن جميلاً فعلاً كما يوصف اليوم بكل هذه المشاعر الدافئة التي نتحدث بها عنه؟ هل كان أهل ذلك الزمان يرونه جميلاً فعلاً؟ السؤال الأهم: ما هو الجمال الحقيقي في ذلك الزمن؟ الجمال الذي نشعر بكل هذا الحنين تجاهه والذي نفتقده في أيامنا هذه؟
في الحقيقة، كل حياة بعيدة عنا لم نعشها، خاصة ما كان منها بسيطاً ومحاطاً بهالة من الحنين والعواطف والغموض، تعتبر جميلة، خاصة إذا تم الحديث عنها مقرونة بمثاليات وأخلاقيات وعلاقات حميمة ما عادت موجودة في أيامنا، وهذا ما نفتقده وما نسعى لإيجاده وما نظن أنه لن يعود ثانية ولن نحظى بفرصة التمتع به كما كان أهل تلك الأيام، الأيام البسيطة، الحياة المتواضعة، العلاقات المترابطة، الإنسان القريب من إنسانيته ومن غيره، الحياة التي لم تعقدها مدن الحداثة، وعلاقات ما بعد الحداثة، لم تتشابك فيها المصالح ولم تتجمد فيها العواطف ولم تتفرق السبل بالناس والأصحاب والإخوة والأحباب، الحياة التي لم تدخل أتون الصراعات واللهاث والجري وراء الأعمال والمصالح و..
هذا المختلف اختلافاً شاسعاً وعميقاً وهائلاً وجارحاً للروح والإنسانية هو ما نفتقده في نهاية المطاف، في نهاية اليوم، في نهاية ساعات الصراع اليومي، وهو ما نجده في حكايات وسوالف وصور أيام زمان، سنوات السبعينيات والثمانينيات، أو ما نسميه بسنوات الزمن الجميل، وهو جميل بكل ما فيه من إنسانية، لكن ذلك لا يمنعنا من القول إنه كان زمناً شاقاً وصعباً أيضاً، لكن أهله عايشوه وتقبلوه بكل ما فيه، وأحبوه، وكان ولا يزال الأحياء منهم يذكرونه بالخير والحنين، فكل زمان يشبه أهله، وأهل كل زمان يشبهون زمانهم بل ويحبونه ويدافعون عنه وهذا من وفاء الإنسان لزمانه!
زماننا اليوم، رغم كل كوارثه سيأتي عليه يوم في المستقبل سيوصف أيضاً بالزمن الجميل، لأن زمناً آخر سيأتي ربما يفتقد لكثير مما ننعم به اليوم، فلنعش زماننا برضا وقناعة، لنرى اليوم جميلاً قبل أن يصير صوراً وحكايات تتناقلها أجهزة الهاتف!