بقلم - عائشة سلطان
قد تكون بداية مختلفة وتعاملاً أكثر حذراً مع وعي وذائقة الجمهور الذي تقذف له شركات الإنتاج كل عام بعشرات الأعمال الدرامية التلفزيونية على وجه التحديد، هذه البداية جاءت من مصر، عندما أعلن قبل يومين إيقاف العمل بمسلسل (الملك) الذي يتناول حياة الملك الفرعوني أحمس وطرده للهكسوس الذين غزوا أرض مصر في زمنه، وهو الموضوع الذي تدور حوله أحداث رواية نجيب محفوظ «كفاح طيبة» والتي تشكل الأساس الذي بني عليه العمل!
لقد جاء إيقاف تصوير المسلسل وتأجيل عرضه في رمضان مباشرة بعد العرض المهيب والمبهر الذي قدمته مصر احتفاءً بنقل 23 من المومياوات الملكية المصرية من المتحف المصري مساء السبت الماضي.
لكن لماذا تم إيقاف المسلسل؟ لقد أوضحت الشركة المنتجة أن «الأخطاء الكثيرة التي وردت في المسلسل هي السبب وراء ذلك، سواء ما تعلق منها بالأحداث والتفاصيل التاريخية، أو الأزياء والملابس التي تخص هذه الحقبة الزمنية»!
لكن الحقيقة التي علينا الإشارة إليها بوضوح وبصوت عالٍ هي أن قوة الرأي العام المصري الذي تناول العمل إن بالنقد والتفنيد أو بالسخرية اللاذعة التي يجيدها المصريون أكثر من أي شعب آخر، كانت السبب الرئيس وراء اتخاذ هذا القرار، دون أن ننكر أن الأخطاء كانت فادحة أكثر من أن يتم تمريرها بسهولة!
لقد اعتقدت الشركة المنتجة أنها باختيارها ممثلاً وسيماً وتصميمها لمعارك مبهرة على طريقة المسلسلات الغربية، وملابس على طريقة المصارع الروماني ستبهر المشاهد، وتسقط أسلحة انتقاداته، لكنها خسرت الرهان تماماً أمام الوعي والمعرفة اللذين تمتع بهما الجمهور الذي تناول كل تفاصيل العمل بالتفنيد العلمي الدقيق، ما أثار موجة سخط تمددت لتصل إلى استصدار قرار الإيقاف الفوري.
لم يكن مقبولاً أن تقدم مصر ذلك الإبهار والاحتفاء بأولئك الملوك العظام ليأتي من يضرب بمعول الهدم صورة تلك الحضارة عبر تشويه رموزها، لقد رفعت مصر معايير الجودة والتميز في الأعمال الوطنية عبر ذلك الاحتفال العظيم، وأصبح من غير المقبول التراجع عنه تحت أي عذر.