بقلم : عائشة سلطان
مساء الاثنين الفائت، كنت وصديقتي عائدتين من أبوظبي في طريقنا إلى دبي، كنا قد استمتعنا بجلسة ثقافية عُقدت بمقر مؤسسة «بحر الثقافة»، كان كل شيء جميلاً ورائقاً ذلك المساء، قطعنا ربع الطريق ونحن نستعيد تفاصيل النقاش، حتى حدث ذلك الأمر الغريب، فبدون سابق إنذار أصبحنا محاطتين بظلمة غريبة، فلم نعد نرى أبعد من مترين، هكذا وبدون مبالغات من أي نوع، حتى العربات التي تقدمتنا بكل أضوائها، أعمدة إضاءة الشارع، الأشجار، محطات البترول التي عادةً ما تتلألأ من بعيد، كل شيء اختفى وأصبح من المستحيل رؤيته، لأن الضباب الكثيف تلك الليلة كان قد ابتلع كل شيء وابتلعنا بطبيعة الحال!
على جانبي الطريق توقف سائقو السيارات، فكرت فيهم بخوف وحزن أيضاً، كانوا يضيئون أنوار سياراتهم الأمامية والخلفية، محجمين وخائفين حتماً من اقتحام الظلمة، تذكرت في صيف عام 2016، يوم غامرت باجتياز الطريق من أقصى الجنوب الشرقي للحدود النمساوية باتجاه مدينة غشتاد السويسرية، لم أضع في حسباني أعمال الطرق، الأنفاق الكثيرة في جبال سويسرا، الطرق الصاعدة باتجاه الأعلى، وطريق الشاحنات المخيف، استغرقني الطريق أكثر من عشر ساعات، وعندما أظلم المساء دون أن أبلغ وجهتي أصابني الرعب وتوقفت عن إكمال السفر، حتى أذن الله بانفراج عجيب حمدته عليه وما زلت!
كان معظم من توقفوا على جانبي الطريق مصابين بالتوتر حتماً من القيادة وسط ضباب كثيف، نظرت إليهم فارتعش قلبي، وقلت: سيقفون طيلة الليل، فلا يبدو أن هذا الضباب سينقشع سريعاً، حين حدثتني صديقتي من فرنسا قالت إنها علمت بحالة الضباب من الأخبار، وإنها تريد الاطمئنان علي، فأخبرتها بأنني في قلب هذا الضباب الذي قرأت أو سمعت به في نشرات الأخبار، ثم كتبت لها: «صديقتي نحن كمن يقود سيارته في طريق مقطوع وسط الظلام، والأنكى أنه معصوب العينين أيضاً!!»، في الحقيقة هكذا كان وضعنا!
حمدت الله أن صديقتي التي كانت تقود السيارة تتمتع بأعصاب قوية وهادئة، كما أنها حمدت الله أنني عدت برفقتها، وأنها ليست وحدها، وإلا لتوقفت على جانب الطريق، قالت: «هل تعلمين أنني أقود السيارة بعقلي، وأنت ترين الطريق بعينيك، لأنني لا أرى شيئاً بالفعل»! بقينا نزحف وسط الضباب ثلاث ساعات، ربما حتى لاح بحر الأنوار من سماء دبي، فانحسر الضباب وهدأنا!
تذكرت، وأنا لحظتها تحت وطأة حزن عميق يفتت قلبي إثر فقدي أعز صديقة لي، أننا في الحياة نسير في طرقات يتكاثف ظلامها وضبابها أحياناً كما هذا الطريق، فيتلبسنا الخوف والتردد والشك واليأس، ووحده الإيمان والثقة برحمة الله والأصدقاء المخلصون من يقودوننا إلى طرقات الخلاص في نهاية الأمر!