بقلم : عائشة سلطان
أتوقف عند بعض العبارات، أراجعها كثيراً بيني وبين نفسي، وبيني وبين تجارب عمري، وأنظر إلى أولئك الأشخاص الذين يظنون أن أجمل الأيام تلك التي عاشوها، وأجمل البلدان والأحلام والكتب والأشعار وقصص الحب والصداقات تلك التي عاشوها في شبابهم الغض، وأن العمر إذا مر فإن الحياة لا تعود جميلة ولا تعود ممتعة، لكنني أصدّق كثيراً كلمات الشاعر ناظم حكمت الذي قال ذات يوم كلاماً مغايراً تماماً!
العمر في كل مراحله جميل طالما استطاع الإنسان أن يقوم بواجبات الحياة، أن يتحرك ويعيش ويقرأ ويسافر، ويحلم ويمد الجسور باتجاه الدنيا، وعليه فإن الإنسان لا يعيش في العشرين أو الثلاثين من عمره فقط، ثم يعيش الحزن والخيبة لأنه بلغ الأربعين أو الخمسين، ربما تجعلك العشرين خفيفاً كهواء، متدفقاً كنهر، وهادراً كموج، جميلاً كطفل.
وغير مبالٍ بأحد ولا بشيء، لكنه إذا ما تجاوز ذلك العمر بإمكانه أن يكمل بالسعادة وبالتدفق ذاته، ويستمتع بأيامه كما يجب في هذه السنوات التي لم يعد فيها شاباً صغيراً يركض خلف الأيام بمرح وطيش! أنت لم تعد ذلك الطفل الذي يريد الحصول على كل شيء، لكنك اليوم أجمل وأكثر حكمة، وممتلئ بالتجارب، وقادر على التمييز والاستمتاع بالحياة، صحيح أنك كنت أكثر شغفاً فيما مضى.
لكنك اليوم أكثر قدرة على الشعور بمتعة الأسفار وحلاوة الوقت وقيمة الأصحاب، صار لكل شيء قيمة ومعنى، وأصبحت تعيش الوقت جيداً بصحبة هدوئك وحكمة الأيام! سعيد أنت إذا كنت تنظر إلى وجهك صباحاً في المرآة وأنت تحلق ذقنك أو وأنتِ تضعين زينتك، فتريان تلك الخطوط الرفيعة أسفل العينين أو عند أطراف الشفتين، فتقولان تلك ضريبة الأيام، النجاحات، الأولاد الجميلون الذين يحيطون بنا، الكتب الكثيرة التي قرأناها والمكانة الرفيعة التي وصلنا إليها والأوقات الممتلئة بالكثير من الإنجازات والتجارب والأصدقاء. كثيرون ممن نعرف يشعرون بالأسى والحزن.
وربما جميعنا يشعر بذلك للحظة، حين نتأمل صورهم أيام الشباب، فليس أجمل منا في ذلك العمر، ليس هناك عيوب بالمطلق، وجوه لامعة، عيون تشع بالعافية والحياة، شعور صقيلة وأجساد جميلة وأصحاب كثر، لكن من قال إن الأيام لا تمنحنا أشياء أجمل وأصدقاء أجمل ومفاجآت أجمل كلما تقدمنا في العمر؟ ومن قال إن الحياة تحقق لنا كل ما حلمنا به في تلك الأيام؟ تبقى حزمة أشياء وأحلام يمكننا أن نحققها حتى ونحن نذهب بعيداً ملوحين لأولئك الصغار الذين في صورنا!