بقلم :عائشة سلطان
إن من أصعب وأخطر النتائج التي أفرزتها أحداث السنوات الماضية، التي عصفت بالمنطقة العربية، وسميت خطأ بالربيع العربي، ارتفاع تيار الإلحاد الديني بين كثير من الشباب العربي، كردة فعل موازية لتيار التطرف والإرهاب والذبح العبثي باسم الدين مرة، والجهاد مرة، ونصرة الدين والأخوة مرة، والتي تزعمها مشايخ الفضائيات الدينية والسوشيال ميديا، هذه الظاهرة برزت منذ سنوات طويلة، وهي قديمة جداً، لكن وتيرتها تسارعت خلال السنوات الماضيات، بسبب هذا الربط الخاطئ والخطير بين التطرف والقتل والتنظيمات والحركات الإرهابية وبين الإسلام!
للأسف، صار بعض طلاب المدارس السذج يجاهرون بإلحادهم دون وعي، ودون فهم حقيقي لهذا التوجه، سوى ما يقرؤونه ويتابعونه على مواقع التواصل بواسطة أصدقاء افتراضيين وغير محددين!، تيار آخر أخذ في التنامي، وإن لم تكن هذه ظاهرة حديثة في العالم، ولا في بعض المجتمعات العربية، إلا أنه لا يقل خطورة عن التيار الأول، كما أن أصحابه يعبرون عن أنفسهم بشكل صريح في مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديداً في البلدان التي تشهد انقلاباً خطيراً في موازين السياسة والقيم والثوابت الاجتماعية، إنه ما بات يعرف بتيار اللا منتمين، الذين يحاولون الخلاص من أي شكل من أشكال الانتماء التي تربطهم بركائز محددة في الحياة، كالوطن والأحلام والحب والقيم والهوية و... إلخ، معتبرين أن العقل الموضوعي، هو ما يوفر لهم حياة مستقرة بعيدة عن الأزمات والإحباطات والصراعات العبثية!
لقد نشر البريطاني كولن ولسن، مؤلفه الأول (اللا منتمي) عام 1956، وهو شاب في الـ 25. تحدث فيه عن عزلة المبدع عن مجتمعه وعن أقرانه وتساؤلاته الوجودية الدائمة، وعزا ذلك إلى الرغبة العميقة في إيجاد دين موضوعي، الغريب، كما يقول النقاد، أن كولن ولسن وكتابه لا يعتبر ذائع الصيت في أوروبا، كما هو في العالم العربي، وربما يعود السبب للفكرة التي بنى عليها فلسفته وكتابه (اللا منتمي)، وهي فكرة الحرية التي ما زالت مطلباً ملتبساً ومتناقضاً في بلداننا العربية!
إن الإنسان اللا منتمي ليس تافهاً ولا فارغاً، لكنه يعاني أزمة علاقة مع محيطه، كما أنه أكثر حساسية من الأشخاص المتفائلين، مشكلته في الأساس، هي مشكلة الحرية، وهي ليست الحرية السياسية، وإنما الحرية بمعناها الروحي العميق، فجوهر الدين هو الحرية، وليس القمع أو الإرهاب، وجوهر الدين هو التسامح والأخوة، وليس إقصاء الآخر وإزاحته، هذه التناقضات التي يعيشها الشباب العربي، هي ما تدفعهم إلى عمق هذه الظواهر التي نعايشها تنتشر بينهم، حتى وإن كانوا ليسوا بالعدد الضخم الذي نتصوره!!