بقلم : عائشة سلطان
كتب أحد الأصدقاء تعليقاً على مقال لي كتبته منذ مدة حول الرهاب أو الفوبيا، كأحد أشكال الخوف المرضي، والذي يعاني منه كثير من الناس، دون أن يعرفوا الطريق للخلاص منه، ودون أن يسعوا أحياناً للخلاص منه، قال الصديق في تعليقه إن الخوف شعور إنساني طبيعي، وإن الذي لا يخاف منتقص أو ناقص في إنسانيته، لأننا كبشر، محكومون بالخوف، يريد الصديق القول بأن الإنسان كائن خائف بالضرورة ودائماً، وأن من لا يخاف، هو الشخص غير السوي أو غير الطبيعي!
المتخصصون يؤكدون أن الخوف هو شعور طبيعي جداً، وإنساني ومهم، لأنه يقود إلى حفظ وحماية الحياة، فالخوف يجعلك مستعداً للدفاع عن نفسك عند الخطر، وقبل وقوع الخطر، فهو جرس إنذار داخل جسدك، عن طريق هرمون الأدرنالين، الذي يتعاظم نشاطه في دماغك بمجرد مواجهتك لأي خطر، محدداً لك طريق التعامل معه حسب إمكاناتك وطبيعتك: فإما أن تواجه وتدافع وإما أن تهرب!
كما أنه ردة فعل منطقية إزاء ظرف معين، تجاوز منطقة العادي والطبيعي، بل نستطيع القول إنه سيطر على إنسان المجتمعات الحديثة، فصار يتحكم فيه تماماً، وفي مواقفه، فإنسان اليوم إنسان خائف بامتياز، خائف من الحروب، من الإرهاب، خائف من تقلبات الطبيعة المرعبة، من فقدان وظيفته، على صحته، وأمواله، على أمنه وأمانه، خائف على أبنائه من حوادث الطريق، من المتحرشين والذين بلا ضمير، خائف من العجز والوحدة، من فقدان رحمة الجماعة، التي تشمل: الشلة، وزملاء المدرسة، والعائلة، والعمل، والأصدقاء، والمجتمع، وأضافت إليهم حياة الحداثة، متابعي «السوشال ميديا».
أمام كل هذه المخاوف، يقف الإنسان متردداً وضعيفاً، فإما أن ينتصر لرأيه وقيمه ومواقفه، ويكون شجاعاً ليقول ما يؤمن به وما يعتقده، وإما أن يستسلم للمخاوف ويفكر كثيراً في مصالحه، ولذلك، فالإنسان الخائف لا يمكن أن يكون له رأي واضح أو موقف شجاع، الخائف كائن غير مستقل، محكوم بما يخاف عليه وبمصالحه وبرؤية الآخرين وأمزجتهم، لا يرى إلا ما يرون، ولا يفكر إلا بطريقتهم، وهذا سبب من أسباب تخلف عالمنا العربي، لأن الفرد فيه خائف من أن يقول رأياً مختلفاً، أو يقدم عملاً غير تقليدي، خشية انتقاد وغضب الآخرين، وهذا تحديداً ما تخلص منه غيرنا فسبقونا، مع بقاء هامش دائم وملازم من الخوف بنسب متفاوتة!