عائشة سلطان
أحضر إلى النمسا سنوياً في إجازة الصيف منذ عام 1999، وفي معظم الأحيان أتنقل بينها وألمانيا، أدخل قرى وبلداتٍ ومدناً وأجوب أسواقاً ومقاهيَ ومحال، لم يحدث يوماً أن سمعت كلمة مسيئة أو تفوهت بدوري بكلمة مسيئة بحق كائن من كان، أولاً لأنني أحل ضيفة على بلدان من أجمل بلاد الدنيا، أستمتع بجوها ومناظرها وطيبة أهلها وحسن معشرهم، وهذا يستحق معاملة بالمثل وأجمل، وثانياً لأن السلوك الشخصي لأي شخص هو في نهاية الأمر انعكاس لثقافة مجتمع بشكل أو بآخر حتى وإن كان في أضيق الحدود، لكنه ينعكس سلباً أو إيجاباً على أمة وشعب وبلد بأكمله، فأنت لا تتحرك حين تسافر إلى أي مكان منفرداً، خاصة إذا كنت صاحب ضجيج أو تصرفات لافتة، الضجيج عادة ما يلفت الأنظار والتصرفات المثيرة كطريقة الحديث بصوت عالٍ، ونوع الثياب، والتعامل مع الممتلكات العامة، وطريقة سلوك الأبناء أو الأطفال والمراهقين الذين يرافقونك، ونوع الممتلكات الشخصية التي تحاول إظهارها متعمداً لجلب نظرات الإعجاب والانبهار كالملابس والسيارات والإكسسوارات وغيرها، كل هذا يمكنه أن ينسحب عليك سلبا وعلى البلد والشعب الذي تنتمي إليه!
لأول مرة ومنذ أكثر من عشر سنوات من السفر إلى أراضي النمسا أقرأ وأسمع كل هذه الحكايات والأخبار والقصص التي لا شك وصلت للجميع عبر وسائل التواصل الاجتماعي واستوقفت الكثيرين وأثارت مشاعر وأفكار وآراء متباينة تتفاوت بين التأييد والرفض، لكن قبل الرفض والتأييد علينا أن ننظر لتصرفاتنا كخليجيين بميزان المنطق والتحضر والموضوعية، ومن ثم نحكم على ردات الفعل الأوروبية تجاهنا والتي يقال إنها بدأت تعبر عن نفسها بشكل عدائي واضح وعلني عبر جماعات وتظاهرات وقرارات رفض للوجود الخليجي أو على الأقل الحد منه!
لم نقرأ حتى الآن أي تكذيب لهذه الأخبار من قبل السفارات الخليجية في بلدان كالنمسا والتشيك وألمانيا التي يقال إن ظاهرة رفض تنمو ضد الوجود الإسلامي بشكل عام والخليجي بشكل خاص، خاصة ما يقال حول السلوكيات المخلة بالقوانين المعمول بها في هذه الدول، ما يجعلنا نعتقد أن هذه الأخبار صحيحة بالمجمل، خاصة والسائح الملتزم يرى بأم العين مثل هذه السلوكيات دون أن يحتاج إلى أخبار تأتيه عبر «الواتس آب» أو «السناب شات»، فإذا لم تعلن الجهات الرسمية أي موقف، فإن ذلك لن يكون في صالح الوجود الخليجي، خاصة في ظل تنامي تيارات العداء ودوائر استثارة مشاعر العصبية والعنصرية!
هذا الموضوع رغم حساسيته، فإنه بحاجة لمناقشة صريحة وواعية وعلنية، فكثيرون منا يؤخذون بذنب أولئك الذين ما زالوا يعتقدون أن السياحة لأوروبا عبارة عن امتلاك أموال تستطيع بها شراء كل شيء.. والحديث لم ينته!