رجل يعشق نهار المسافات

رجل يعشق نهار المسافات

رجل يعشق نهار المسافات

 صوت الإمارات -

رجل يعشق نهار المسافات

بقلم : ناصر الظاهري

صعلوك متأنق، يذرع الشوارع والمدن والنساء والقلوب والموانئ.. يبحث عن جوهر الأشياء، عن المعارف، غير ناسٍ التفاصيل التي قد تسقط من الناس والذاكرة، إما سهواً أو لهواً.
يترك سريره الوثير ذا المفارش الملونة المعطرة، وغرفته ذات النجوم الخمسة، ليذهب راجلاً يتعكز على رجِل عرجاء، وأخرى صحيحة، أو راكباً تئن من ثقله الدواب، ينتقي لحذائه اللامع دوماً، أماكن لم تغمرها المياه بعد، ليستقر في كوخ عجوز أثيوبي، ينصت إليه كحفيد يهوى الدثار والدفء وقصص الرجال الأبطال، نحو مفازات من التيه وقيعان الملح والرحيل المر، يروي له عن الجوع والإرث الإمبراطوري، وحكايات عن التاريخ والسحر ومنابع النيل، والأثيوبيات اللاتي يملكن أجساداً أبنوسية، تشبه في مرآها ورقتها، قهوة الحليب المعمولة للتو بمقدار.
يعف عن المائدة الفرنسية المتنوعة، والأطقم البوهيمية المذهبة، هو الذاهب في خبز الفقراء وقوتهم الشهي، يتناول طعامه على أرصفة المطاعم الشعبية، حيث يشعر بعرق العمال وعافيتهم وانفتاح شهيتهم، هو الذاهب بعيداً.. الذاهب عميقاً في الأشياء، وفي الناس والوطن.

على سفر دائم في حله وترحاله، هو المشرّع صدره للريح والشمس والعشق، له كل هذه المنافذ، له الزوايا والتكايا، هو الرافض غلق كل هذه الحدود والثغور، الغامر أشياءه بالماء والثلج والبَرَد، هو ذلك الذي يكره القطط والكلاب المنزلية، وذلك الناسك في دور الأوبرا الوطنية، هو البدويّ الجلف الذي يكره أن يفتح باباً لامرأة، لتدخل أولاً وفق المراسم والبروتوكولات الفندقية، هو ذلك البحّار الأسطوري الذي يغرق في بحر عينيها، يسكنه بمتناقضاته، وتسكن هي الرأس الحبلى بالكثير.

يموت غائب طعمة فرمان في شتاء موسكو والغربة، فيبقى جرحاً، نجماً عربياً ظل مداره، يتبعه المسافر المتأنق، كخيط من فضة، مثل درويش من السالكين، أو كرجفة كلمات من سحر صبّت في محبس يد شيخ العارفين، يظل المتأبط كفناً ووطناً، كفارس عربي قديم، يحرس تخوماً وقلاعاً في الذاكرة، يتمنى لو يدفن بملابس الميدان، هو والرفاق من الحرس القديم، أولئك الذين يسمون الأشياء بأسمائها، إن اللون الأحمر دم، وإن الأبيض عروس فجر نديّ، كتبتها السماء لهم، وإن الأسود خطوة في العمى، وعتمة موت البصيرة، يكرهون الرصاصي، لأنه يتباهى بلونه الخائن.

أيها المسافر قف.. تمهل، وأشفق على هذا الجسد المتحمل نزواتك، وغزواتك، وهفواتك، وخطأ حساباتك، قف.. وتريّث وأمهل هذا العقل الشقي بك.. أرح ناقتك ورحلك وامكث.. هي العين.. دار الزين، وتلك النخلة القديمة التي تحتضن شعر ولادتك، وفرح ختانك وطهورك ونزيف عمرك، قل كلمتك الأخيرة كرجل يعشق نهار المسافات.. هذه صورتك في المرآة المشروخة!

المصدر : الاتحاد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رجل يعشق نهار المسافات رجل يعشق نهار المسافات



GMT 20:35 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

«شايفة.. وعايفة» -2-

GMT 21:33 2021 الجمعة ,09 إبريل / نيسان

«شايفة.. وعايفة» -1-

GMT 20:29 2021 الخميس ,08 إبريل / نيسان

خميسيات

GMT 20:27 2021 الأربعاء ,07 إبريل / نيسان

مواء القطة الرمادية

GMT 19:03 2021 الثلاثاء ,06 إبريل / نيسان

الموكب الملكي المهيب

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 19:17 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الأسد السبت 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 09:01 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

يبشرك هذا اليوم بأخبار مفرحة ومفيدة جداً

GMT 06:17 2015 الأربعاء ,04 شباط / فبراير

افتتاح معرض رأس الخيمة للكتاب بمشاركة 76 دار نشر

GMT 02:43 2017 السبت ,02 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على مواعيد مباريات منتخب مصر في كأس العالم

GMT 08:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

تخريج الدفعة الأولى من برنامج قيادة الأعمال الإنسانية

GMT 18:45 2015 الخميس ,22 كانون الثاني / يناير

معرض دبي العالمي للقوارب يعزز مكانته العالمية في 2015

GMT 21:44 2014 الأربعاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

السعودية تشارك في معرض برشلونة للكتاب في دورته الـ32

GMT 01:38 2014 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

جامعة كينياتا تمنح سيدة كينيا الأولى الدكتوراه الفخرية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates