بقلم : ناصر الظاهري
تنظيم الإخوان ليس بجديد في الإمارات، لكنه كان يأخذ منعطفات مختلفة على مر الأعوام، ففي البداية جاؤوا محتمين من بطش الناصرية وسجونها في مصر، وجاؤوا لاجئين من بطش حزب البعث في سوريا، ومذابح حماة، هؤلاء أمنتهم الدولة، ووفرت لهم سبل العيش الكريم، ومدتهم بالعطايا، ورعاهم رئيس الدولة الشيخ زايد، يرحمه الله، وأكرمهم، بنياته الطيبة،
وسريرته التي ترتجي الخير دائماً، وتعتقد أنها في كل النفوس كنفسه البيضاء، وقال: لا يضام مسلم أو عربي في «بلادي»، وجاؤوا للإمارات مترزقين وكاسبي دنيا من مصر وبلاد الشام والسودان واليمن وشمال أفريقيا، فكانت الإمارات فرصاً للنجاح، وجمع المال، والعيش بحياة خالية من أي ضرائب أو التزامات أو ضغوط اجتماعية، ليحولوا ما عليهم من واجب أموالهم،
وما يقدروا عليه من توجيه الإعانات وجمع المساعدات لصندوق دعم الجهاد ونصرة حزب الإخوان، وتمكينه من حكم بلاد المسلمين بفروعه المحلية والقطرية والقومية والدولية، وجاؤوا للإمارات مبعوثين ومرسلين ودعاة لتأسيس نواة لـ «حزب» سري ظاهره الرحمة، وباطنه العذاب، كان يقتنص الشباب وهم في مراحل النضج العمري والمعرفي، كانوا يتسربون لهم في
المدارس الثانوية والجامعة ونادي الطلبة، وكانوا يمهدون للنساء في المدارس والجامعات، ويتابعونهم في المنازل، يدخلون باسم الله والدين، كانوا يزايدون على الناس وفطرتهم الاجتماعية، فظهرت الأشرطة المسجلة لبث الرعب الغيبي، ودنو يوم الدينونة، ثم ظهر لأول مرة في الإمارات غير ثياب الستر والحشمة التي يعرفها أهلها، الحجاب الأفغاني والقفازات السوداء، وظهر
الثوب القصير من يسر لا من عسر، تقليداً لقبائل جبلية تناسب حركتهم وطقسهم، ومعه العمامة الباكستانية، وظهرت بدع تكبل حياة الناس، فلا يفتر ثغرهم عن كلمة إلا سبقها دعاء، وذيلها دعاء، كانت الإمارات خلال الأيام الخوالي في حركة بناء ونهضة، وتجربة سياسية ومجتمعية في طور النضج، وتأسيس المؤسسات العامة وأجهزتها، وكانت الأيام الخوالي مصاحبة
بتأثيرات خارجية، وظروف محيطة، وحوادث دولية، كغزو الاتحاد السوفييتي لأفغانستان، و«نصرة إخواننا هناك»، والثورة الإسلامية في إيران، وحروب في البوسنة وغيرها، كلها جيرت لصالح حماية الدين، والدفاع عن حياض الإسلام، فتمت محاربة المثقفين الوطنيين، والعقول المتنورة، ورموهم بتهم العلمانية والإلحاد والشيوعية والقومية، وقربوا كل من طالت لحيته
وقصر ثوبه، وإن قل عقله، فحكموا التعليم بقوة، وتوثقوا من أمر البعثات والدراسات الخارجية والعليا، أصبحت لبعضهم سطوة في الإعلام، وظهر دعاتهم في برامج إذاعية وتلفزيونية يجيبون عن أسئلة الناس، وما يحيرهم في أمر دينهم، بعضهم تولى القضاء، بعضهم تولى الجمعيات الخيرية وأمور الزكاة والصدقات وأعمال البر، مرت تلك السنوات، وتخرج جيل ممن كانت توجههم تعاليم المرشد من بعيد- وبعضهم لا يدري- وبعضهم شارك جنود الرحمن في حرب أفغانستان، وجاء بما يعرف بـ «أفغنة الأوطان»... وغداً نكمل بإذن الله.
المصدر : الاتحاد