رأيت رجلاً سعيداً

رأيت رجلاً سعيداً..

رأيت رجلاً سعيداً..

 صوت الإمارات -

رأيت رجلاً سعيداً

بقلم : ناصر الظاهري

- رأيت رجلاً سعيداً في أعالي جبال جزيرة جاوه، بنى معبداً لأمه في خريف عمرها، وتركها تتأمل وقتها وصمتها، وتتلو صلواتها في صبحها ومسائها، وظل هو يخدمها بسعادة غامرة، فجأة تحولت تلك الأرض المحيطة لغابة خضراء، سرعان ما جلبت طيوراً مهاجرة، وتدفقت المياه منحدرة من تلك الجبال متخذة طرقاً وعرة، وأعطت لتلك السعادة الصغيرة معنى للحياة جديداً!
- رأيت رجلاً سعيداً في ليل أمستردام، عاش حياته ليسترجع بيت عائلته التي فرّقتها الحرب العالمية الثانية، فتشردت العائلة في أصقاع الدنيا، أخذته عمته إلى أستراليا صغيراً، يبكي أمه وأباه وأخته، وذاك البيت الذي يعرفه، غاب الأب والأم في رماد الحرب، وأخت تقطع قلبها في مدن الضياع، وحده الصغير ظل يكبر مع حلمه، وحلم استرجاع بيت العائلة الذي شعر فيه بأيام دافئة، وحين بلغ الستين عاد وظل يساوم على شراء البيت دون أن يعرف الجميع من هو؟ ولماذا يريد شراء ذاك البيت القديم؟ وحده كان مستعداً أن يذهب في المساومة لأقصى مداها، وحين تسلم تلك المفاتيح الصدئة، شعر بلذة الحياة، وغاب في دوامة من السعادة، وظللته روح العائلة من جديد، قادني في ذلك المساء البارد لأمستردام ليقص علي حكاية تلك السعادة التي تبعها لستين عاماً ويزيد، قائلاً: «لو أصبت بالعمى، كان بمقدوري أن أعرف ذاك الطريق المؤدي لهذا البيت.. هنا كنّا نسكن، أماً وأباً وأختاً، وطفلاً صغيراً، آخر وأشد ما تتذكر عيناه تلك المساحة الدافئة بالأهل»!

- رأيت رجلاً سعيداً في باريس، فاقد الذاكرة، وجد أخيراً مفتاح سعادته الذي ضيعه في دروب الحياة، وأنسته إياه الأيام حين أقفل الغضب مرة باب بيت من يحب، قاده غضب النفس سنين من الضياع، والبحث عن الذات، وحدها من أغضبها، وأقفل بابها، بقيت مخلصة لذكرياتها، عَل الطارق يخطئ، وعَل ذاك الغاضب أن ينسى ويدق بابها، وحين بدأ يفقد الذاكرة.. أول ما بقي يذكره، امرأة كان يعرفها، ويعرف تماماً باب دارها!

- رأيت رجلاً سعيداً في قبرص، قرر منذ أمد بعيد أن يبتعد عن الأذى، وأن يكون خيّر النفس، لا يحمل في ذاكرته إلا ما يقوي سعادته، ولا يبحث في دنياه إلا عن فرح الإنسان، ومتعة الحياة، تجاوز الشر، وتركه وراءه، ولَم يعقب، ولم يلتفت، تابعاً ظل المعرفة، ووجود الخير، سالكاً وحده ببصيرته فيما يحب، وفيما يجب، قال لي مرات: «مسكين هو الإنسان الجاهل في هذه الحياة.. مسكين صاحب الأذى والشر.. مسكين من لم يتبع نور المعرفة، لأنها قطب السعادة ومدارها»!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رأيت رجلاً سعيداً رأيت رجلاً سعيداً



GMT 20:35 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

«شايفة.. وعايفة» -2-

GMT 21:33 2021 الجمعة ,09 إبريل / نيسان

«شايفة.. وعايفة» -1-

GMT 20:29 2021 الخميس ,08 إبريل / نيسان

خميسيات

GMT 20:27 2021 الأربعاء ,07 إبريل / نيسان

مواء القطة الرمادية

GMT 19:03 2021 الثلاثاء ,06 إبريل / نيسان

الموكب الملكي المهيب

GMT 04:59 2024 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

علاقة مفاجئة بين شرب القهوة وبناء العضلات
 صوت الإمارات - علاقة مفاجئة بين شرب القهوة وبناء العضلات

GMT 15:23 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

تغير المناخ المستمر يشكل خطرًا على التوازن البيئي للطيور

GMT 17:51 2018 الأربعاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف على أشهر المطاعم العربية الحلال في جنيف

GMT 18:46 2013 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

"سوني" تطرح بلاي ستيشن 4 في عدد من الدول

GMT 13:10 2013 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

انطلاق المؤتمر الدولي للحد من الزئبق

GMT 18:46 2017 الأربعاء ,01 شباط / فبراير

أفكار بسيطة لتجديد المنزل بأقل التكاليف الممكنة

GMT 23:13 2016 الإثنين ,18 إبريل / نيسان

الإضاءة الداخلية عنوان في هوية المكان

GMT 20:50 2013 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

إنفاق 237 مليار دولار سنويًا لدعم الطاقة في الشرق الأوسط

GMT 05:53 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

إسطنبول مدينة رائعة تحضن كل الأمزجة التي تنبض بالحياة

GMT 09:41 2016 الأحد ,21 شباط / فبراير

بحث مشاريع الطاقة بين الأردن ومصر والعراق

GMT 19:07 2019 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

وفاة بطلة فيلم "لوليتا"

GMT 03:55 2019 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

إشادة كبيرة من الجمهور المشارك في حفل "الماسة كابيتال".

GMT 01:26 2019 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة تحضير تشيز كيك التفاح بطريقة سهلة وبسيطة

GMT 10:14 2019 الخميس ,06 حزيران / يونيو

إخراج عنكبوت صغير مِن أعماق أذن امرأة فيتنامية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates