بقلم : ناصر الظاهري
لماذا تجلب مستشفياتنا وعياداتنا الخاصة بالذات أطباء «مضروبين» في السوق؟ منهم الذي يرضى براتب 7 آلاف درهم وعمولة وربك «بيسترها»، ومنهم شغل بعثات المعسكر الشرقي، ما زالوا حتى الآن يلبّسون ضروسهم ذهباً، ومنهم أطباء بالمراسلة من جمهوريات بعيدة، لا يصل إليها بريد، ولا تسمع من أخبارها إلا أخبار العصابات ومافيا التزوير والتهريب، ومنهم من يقبض راتبه على أقساط، مع ما ينقص بيته هذا الشهر، ثلاجة مستعملة، استعمال مدرس ابتدائي في منطقة نائية، فرن واحد مسفّر من البلد، كنبة وكرسيين من محلات الأثاث القديم، ومنهم من يرضى بالعمل المجاني مقابل التدريب على الحسانة في رؤوس الغافلين، وحسب كم جرح فتق، وكم ضمادة عصب بها رأس مريض خلال الشهر.
منهم من يرضى بالسكن العمالي الجماعي، وكأنه يشتغل في شركة مقاولات، وليس مستشفى يفترض فيه الرقي والنظافة والتعقيم، هناك طبيبات لا أوزانهن توحي لك بأن الطبيبة درست الطب أو عرفت يوماً مضار السمنة، تشعرك أنها طبيبة شغل لتّ وعجّن وطبخ ونفخ، منهن من يلبسن العمامات الملونة، وكأن الواحدة منهن ذاهبة إلى فرح ابن خالتها المغترب في السعودية، «ومن سبع سنين»، ومنهن من أكاد أجزم بأنها لا تعرف التحدث بأي لغة أجنبية، ومنهن قبل أن تدخل على المريض، تتحوط بالآيات والبسملة ويسبقها دعاء القنوت أن الله يشفيه دون أن تتدخل هي تحت أي ظرف من الظروف الإنسانية، ومنهن من تضرب الودع، وتقرأ الطالع، وترى الفنجان، أكثر من التشخيص وقراءة التحاليل.
أما بعض الأطباء فيشكلون نكبة إضافية على الخدمات الطبية عندنا: «يا أخي إذا كان أبوك يجبرك وأنت طالب على أن تصبح طبيباً «أد الدنيا»، وما فلحت، فاليوم أنت كبير، وتستطيع أن تواجه الحياة، وتتحدى المستقبل».
لا يمكن ما نراه في هذه المستشفيات، أطباء هزال، ضعاف البنية، الواحد منهم يرتجف أمام المريض، وكأن الواحد منهم مصاب بـ «التيبي»، لا ثقة بالنفس، ولا تبحر في العلم، ولا يقول كلمة لا أعرف أو كفاية غش أو أن صحة الآخرين مهمة، لا يعرفون إلا التوقيع على الفواتير من أربع ورقات، ثلاث منها ملونة، ولعب الثلاث ورقات مع المريض المسكين والمحتاج إلى العناية والرعاية والأخذ بيده، لا المرط من يده، هناك بطون تفتح، ولا نعرف مصير الأشياء الصغيرة التي في داخلها، فما دام المريض يتنفس، فهو بكل خير.
لا بد أن نضع حدوداً لهؤلاء الأطباء الذين «بلا حدود أو حبوب، ولكن بجيوب»!
المصدر : الاتحاد