بقلم : ناصر الظاهري
ثمة أشخاص في الحياة اهتدوا إلى طريق سعادتهم، وزهو حياتهم، وما يمكن للتفاصيل الصغيرة أن تجلب لهم من علامات الرضا، إنهم أناس يتطهرون، وهم لا يشيخون، ولا هم يهرمون.
من عرف البذل، عرف النُبل، ومن عرف النُبل، تمسك بأول خيط لراحة النفس، وطمأنينتها، مثل ذلك الإنسان، وأشباهه، لا يعرفون الهرم، ولا هم يشيخون.
من عرف قبلة رأس الأم، وزاكي طيبها، من عرف تلك الانحناءة التي تدل على التقوى، وشكر تلك المرأة بصمت، عرف السعادة، وعرف كيف لا يهرم في الحياة، ولا يعدم من الدعاء.
من قدر أن يتسلل ليمنح الآخرين ستراً من ضيق وكرب، من قدر أن يركب الظلمة، فلا يرى نور وجهه، وهو يمد يداً تغمرها البركة، وتعطي مما أعطاها الله، فهو من الحامدين، والذين قلما تجعلهم الحياة يهرمون.
من أفرح قلباً لا يعرفه، وأضحك وجهاً لم يلتقه، وجلب السكينة لنفس توّاقة للراحة من عناء الوقت، وشقاء التعب، من أرسل خيره وميره على أجنحة الريح، ابتغاء وجهه، حفّته ملائكة بظلال من الغيم، فلا يهرم ولا يشقى.
من دلّ آخر على الخير، وطريقه، من أعان شخصاً على إدراك المعاني، وفهم ضياء الحروف، من فتح كتاباً لأجل آخر ليفهم معنى الظلام، ومعنى النجاة بالحروف، فقد سعى، ولا خاب من سعى، ولا عرف الهرم من أبصر الحقيقة.
من أجهد قدميه، وأتعب عينيه ليلقى أحداً كان هالكاً يبحث عن ضفة، فأسقاه، وساقه نحو برودة الأشجار وظلالها، وعرّفه أن السعادة تكمن في الحرث والنسل، وأن الهروب ضياع في الزمن، فإن قبض على تلك الوصية، فقد نجا، ومن نجا شعر بالحياة الحقّة، ومن تذوق الحياة الحقّة، فلا هرم، ولا كان ممن يهرمون.
من سكّن دمعة غائرة، وظلماً حفر لقاع النفس، وغلبة تهزم الرجال، فقد أعطى الحياة ثلاثة رجال لا ينهزمون، ولا يهرمون.
من حَيّد النفس عن آثام شرورها، وهَذّب عدوانها، وهرب بها نحو البرّية أو دغل الغاب حيث معنى للبراءة، وطعم للفطرة، وحيث السعة والاتساع، ولا معنى للضيق والاحتراب، فقد أرشدها للصمت وللخلاص، ومن عرف الصمت والخلاص فقد تأمل الحياة، فلا تضيق به، ولا يحزن فيها ولا يهرم.
من لم يركض مع الراكضين، ولا تقافز مع القافزين، ولم يكن همّازاً، مشاء بنميم، من لاذ بصمت الحكمة، وأدرك سحر الكلمة، فقد توّج بالطُهر، وتدثر بالشرف، ومن نال تلك المنزلتين، فقد سعد، وكان قاب قوسين من الرضا أو أدنى، فلا يعرف هرماً ولا بخساً ولا رهقاً.