عبء النفس

عبء النفس

عبء النفس

 صوت الإمارات -

عبء النفس

بقلم : ناصر الظاهري

«وإذا كانت النفوس كباراً
تعبت في مرادها الأجسام»
لعل هذا البيت الشعري للمتنبي يختصر حياته ومغامراته، وجعله الدهر منشداً لكلماته، وقد قاله يغمز لنفسه، لا في مدح سيف الدولة، كما أنه يعبر عن حيوات الكثير من الناس المتطلعين للعلا، الباحثين عن التفرد، ومغادرة عقلية القطيع، فليس مثل عبء النفس أثقل وأتعب، وليس مثلها يبلغك الغمام أو يقودك للردى، عبء النفس لا يشعر به كل الناس، فالكثيرون نفوسهم طرية، وآخرون لديهم نفوس قابلة للكسر والجبر، والبعض نفوسهم رخيصة عليهم، لا يبالون إن طفت أو غاصت في القاع، لكن المبتلين برأس تسكنه الأسئلة، فإنهم ونفوسهم مثل «سيزيف» وصخرته التي يدحرجها لأعلى الجبل أو مثل «دون كيخوته» يحارب من أجلها بسيفه الخشبي حتى طواحين الهواء، مثل «جلجاميش» قاتل من أجلها وحوش الواد، لكي يحظى لها بعشبة الخلود، من يحرك من؟ هل هي النفس الأمّارة، أم ذاك الجسد الذي يشقى من أجلها؟

عبء النفس هو من جعل ذلك الأصم «بيتهوفن» موسيقيّاً لا تنساه الدنيا، وأسمع العالم رغم أنه يعيش في دنيا من الصمت، هو من أخرج «طه حسين» ذلك الصبي الريفي من قريته النائية يقوده عماه، وأسئلة تصطخب في نفسه، ليرى باريس عاصمة النور بظلام عينيه، ويتعلم ويعود معلماً، ووزيراً ليجعل التعليم مثل الماء والهواء، ولينثر أسئلة الشك واليقين، كان لـ «غاندي» أن يعتاش كمحام في جنوب أفريقيا أو لندن، أو يتمتع بما تمنحه الحياة له مما تيسر وحضر، لكنه فسخ ثوب المحاماة، وتوكأ على جوعه وصومه وعصاه، ليخرج بها الإنجليز من بلده، ويحرج بها أسطول تلك الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، كثير من العباقرة لهم قصصهم التي تحكى حين تذكر تلك النفس التي لا ترضى أن تقبع في محلها، منهم من خانه الجسد وسط الطريق، ومنهم من كابد وجالد حتى نهاية المطاف، هؤلاء الناس من ذوي النفوس الكبار، وجدوا في طريقهم غير المعشب دائماً، أناساً يطفئون وقيد النفس، وأناساً لا يعرفون إلا أن يثنوا الآخرين عن طريق المضي والتقدم، وأناساً يلعنون نجاح الآخرين، لأنه يظهر فشل نفوسهم وعجزها.

لولا هؤلاء الناس من ذوي النفوس العظيمة، لما قام حجر على حجر، ولا زرع الواد بشجر، ولا خط الناس سطراً على سطر، ولا أبصرت الدنيا حضارات من نور وسفر، بمثلهم اليوم العالم متعاف، فهم من يطفئ نار الحرب إن أشعلت، وهم من يزرع الأمل، ويكشف عن الأمل، ويزود الحياة كل يوم بشيء جديد، وبخبر سعيد، هم على الجبهة الأخرى، وهم قلة، ولكنهم يصنعون الفرق، ويبتكرون الدواء قبل الوجع، ويجعلون من دنيانا قابلة للعيش، وقابلة لأن تكبر بأحلام نفوسهم الكبيرة. 
نقلا عن الاتحاد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عبء النفس عبء النفس



GMT 20:35 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

«شايفة.. وعايفة» -2-

GMT 21:33 2021 الجمعة ,09 إبريل / نيسان

«شايفة.. وعايفة» -1-

GMT 20:29 2021 الخميس ,08 إبريل / نيسان

خميسيات

GMT 20:27 2021 الأربعاء ,07 إبريل / نيسان

مواء القطة الرمادية

GMT 19:03 2021 الثلاثاء ,06 إبريل / نيسان

الموكب الملكي المهيب

GMT 04:59 2024 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

علاقة مفاجئة بين شرب القهوة وبناء العضلات
 صوت الإمارات - علاقة مفاجئة بين شرب القهوة وبناء العضلات

GMT 15:23 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

تغير المناخ المستمر يشكل خطرًا على التوازن البيئي للطيور

GMT 17:51 2018 الأربعاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف على أشهر المطاعم العربية الحلال في جنيف

GMT 18:46 2013 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

"سوني" تطرح بلاي ستيشن 4 في عدد من الدول

GMT 13:10 2013 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

انطلاق المؤتمر الدولي للحد من الزئبق

GMT 18:46 2017 الأربعاء ,01 شباط / فبراير

أفكار بسيطة لتجديد المنزل بأقل التكاليف الممكنة

GMT 23:13 2016 الإثنين ,18 إبريل / نيسان

الإضاءة الداخلية عنوان في هوية المكان

GMT 20:50 2013 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

إنفاق 237 مليار دولار سنويًا لدعم الطاقة في الشرق الأوسط

GMT 05:53 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

إسطنبول مدينة رائعة تحضن كل الأمزجة التي تنبض بالحياة

GMT 09:41 2016 الأحد ,21 شباط / فبراير

بحث مشاريع الطاقة بين الأردن ومصر والعراق

GMT 19:07 2019 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

وفاة بطلة فيلم "لوليتا"

GMT 03:55 2019 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

إشادة كبيرة من الجمهور المشارك في حفل "الماسة كابيتال".

GMT 01:26 2019 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة تحضير تشيز كيك التفاح بطريقة سهلة وبسيطة

GMT 10:14 2019 الخميس ,06 حزيران / يونيو

إخراج عنكبوت صغير مِن أعماق أذن امرأة فيتنامية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates