بقلم : ناصر الظاهري
على مائدة عشاء في جزيرة تستطيع أن تعد ما في سمائها، لصفائها، جمعتنا نحن زوراها، من بلدان واتجاهات وأعراق وثقافات مختلفة تلك المائدة العشائية الأخيرة، بدأ الحديث عن أغلى لوحة بيعت في العالم مؤخراً، لفنان عصر النهضة «ليوناردو دافينشي» بـ450 مليون دولار، والمسماة «سلفاتور موندي»، وهي تمثل وجه المسيح ويديه، ثم غيرت الحديث بالتطرق للوحة «دافنشي» الخالدة بنظري، لا هذه، ولا «الجيوكاندا أو الموناليزا» بل جداريته الموجودة في كنيسة «سانتا ماريا ديل غراسي» في ميلانو، والتي تعرف بـ«العشاء الأخير»؛ لأنها الأكثر عمقاً، بما تحمله من أسرار، تخص الفنان نفسه أو تخص المعتقد الديني أو المسيح والحواريين أنفسهم، ربما بالغت فيها رواية «شيفرة دافنشي» للكاتب «بروان»، وغيرهم من الكتّاب الذين تناولت رواياتهم موضوع المسيح وجدارية «العشاء الأخير» لـ«دافنشي»، لكنني في الحقيقة كنت أرمي من خلال الحديث الذي له شجون، فنحن العرب من اخترع ذلك، كان المقصد الولوج لموضوع الشر في الإنسان، هل هو متأصل في النفس البشرية أم شيء مكتسب بفعل ظروف كثيرة؟ وهل يمكن للإنسان أن يعيش من دون شر؟ وهل للشر علامات يفضحها الوجه، أم له مقدرة على الحيلة والتخفي حتى ينجح في مسعاه؟ لقد كان الواشي «يهوذا الاسخريوطي» خائن المسيح موجوداً ضمن الحواريين الاثني عشر، يقتسم معهم اللقمة و«الدم المقدس»، وإن أظهرته الأدبيات والأعمال الفنية لاحقاً، وهو يصر الدراهم الثلاثين، ثمن الوشاية والخيانة، ويوقع المملحة، ويقبض على الخبز الذي خانه، وهو الوحيد الذي من دون هالة من النور تعلو رأسه دون الحواريين، وهو الرقم الثالث عشر المشؤوم.
تململ البعض، وتحفز البعض الآخر، لكن كل واحد وواحدة قال ما يعتمل في صدره تجاه موضوع مهم سحبه الإنسان معه منذ الخطيئة الثانية، وقتل قابيل أخاه هابيل، إلى وقتنا الراهن، ومن التعليقات التي أعيد صياغتها:
- الشر يبدأ في الإنسان حين يدرك ما حوله، ويكتشف معنى المصلحة.
* الشر يظل كامناً داخل أعماق النفس البشرية حتى يأتي من ينبشه أو يوقظه من ظروف أو آخرين أو ردة فعل.
* الشر مثل «الزمبرك» يظل مضغوطاً من الخير في النفس الإنسانية، حتى يأتي من يعبث بقيم الخير، فتختل الموازين، ويفلت ذلك القزم المضغوط، ويطفو على السطح، ويعلن عن نفسه.
* الشر مبعثه الحقيقي المصلحة الشخصية والأنانية.
* أعتقد أن الشر يكبر معنا، لكن النفوس الخيرّة وحدها التي لا تسمح له حتى بالإطلالة من نافذتها.
* الشر الذي تسمح به النفوس البشرية، لا تخرجه إلا بعد أن تعطيه معنى آخر للخير، وتلونه بمسميات
كلها فيها الخير والحق والجمال، الشر قبيح بالمطلق، لا يمكن أن يقبله أي إنسان، لأنه معادل للشيطان نفسه.
* كنت أعتقد نفسي خالية من الشر الكبير، فقط ذاك الذي لا يمكن أن يضر الآخر، والذي تخرجه النفس تتفيساً عما يزعجها، والذي كنت أسميه الشر الصغير، الْيَوْمَ أنتم من خوفتموني من أن يكبر ذاك الصغير الذي في النفس.
* أعتقد أن ثمة معادلة كونية، من أخرجنا من الفردوس عمل شر، وهو عصيان تعليمات الرب، ولن يرجعنا إلى الجنة إلا عمل الخير الذي هو مضاد للشر بالمطلق.
* أعتقد أن الشر نحن من نصنعه، ونحن من نصبغ عليه من الألوان والمسميات وفق وقتنا، ووفق رؤيتنا، ووفق مصالح أفراد المجتمع، لذا بعض الشر مقبول بالأمس، وغير مقبول اليوم، مقبول هنا، وغير مقبول هناك.