بقلم : ناصر الظاهري
من بين الأشياء التي شهرت اليونان في العالم، غير فلاسفتها، تلك السلطة البسيطة «كريك سلاد» التي لا تختلف عن سلطات العالم إلا بالجبنة البيضاء، لكنها اليوم على قائمة الطعام في كل بقاع الأرض، الشاهد من الحديث أن الكثير غيرنا يعرف كيف يسوّق نفسه، وما يملك من إمكانيات، ولو كانت عادية، عدانا نحن الذين قد نملك إمكانيات استثنائية، ولا نعرف كيف
نصرّفها، كتسويق منتجات هذه النخلة المباركة في الداخل أولاً، والخارج تالياً، اليوم من يتسوق في المحلات الكبيرة، ومخازن الأغذية العالمية، والجمعيات التعاونية، المنتشرة في كل ركن من مدننا، لا يجد فيها الرطب الجيد، ولا يجد أنواعه الكثيرة، ولكنه سيجد كل منتجات جنوب شرق آسيا، ونيوزيلندا وجنوب أفريقيا وأستراليا من فواكه وخضراوات وأنواع كثيرة صغيرة وحلوة، ونكاد لا نعرف لها أسماء، أشياء طازجة ومبردة ومحفوظة، وبعضها يتجدد حسب موسمه وفصوله، تكتظ بها البرادات في المحلات الكبرى، وحين تفتش عن رطبنا وتمرنا لا تجد إلا «الحشف والسح الحولي» الذي لا يصلح أن يكون «للهوش والدبش»، أما المستورد بعضه يأتي عن طريق أوروبا وأميركا، وبعضه يأتي من إيران والسعودية ودول أخرى!
ونحن.. أعتقد أن لدينا مصانع عديدة بهذا الخصوص، وإنتاجنا وفير، وفائض عن الحد، ويمكننا أن نصدره إلى أوروبا بالطريقة التي يشترطونها في تعاملهم في مثل هذه الأشياء، كالحفظ والتغليف وشروط السلامة الغذائية، ولا نبالغ كثيراً في أسعارنا في بداية التعامل، وبإمكاننا أن نصدر ما يعرف بثقافة النخل، وما يتساقط منها من رطب جنيّ، وما يمكن استخراجه منها كالدبس والـ«بالميتو» وبعض الزيوت والصابون والألياف، وغيرها ما يدخل ضمن المنتجات التكميلية!
اليوم.. حاول أن تذهب إلى أي فندق في الإمارات يقدم وجبات غنية، ستجد كل شيء يشتهى، ما عدا التمر، حيث يقدمون أردى أنواعه، فيعافه الناس، ولا يستسيغونه السياح، تجد التمرة «ذاوية، ومغولية» وما تنعطى للبعير، وحين تسألهم، يقولون لك: إن المورد والمكلف بهذا الأمر لا يجلب إلا هذا النوع من الرطب، ونحن لا نعرف خيره من شره، ونعتقد أن الرطب «الملون» الذي نراه في التلفزيون والصحف خاص بالمواطنين، ولا يباع في الأسواق!
وفي فترة من السنين في فرنسا، وحينما يخلص عندي «بيب السح» أو «مقفلة المدلوج»، كانت تكلفني حبة التمرة «الوشبة» والقادمة من كاليفورنيا درهماً إلا ربع، وصندوق وسط من تمرة دقلة النور الجزائري أو التونسي حوالي 50 درهماً، باعتقادي أن السوق الأوروبية تستوعب، وقد ترحب بمنتجاتنا، ولكن علينا أن نعرف كيف ندخل عليهم، ونلتزم بشروطهم، ولا تأخذوا المسألة بحماسة وطنية زائدة، ولكن شوف العين، كل الكراتين في أوروبا من خضراوات وفواكه وتمور، وأطعمة عربية جاهزة، ومبردة كالحمص والمتبل والفلافل والكبة، جلها مكتوب عليها صنع في إسرائيل!
خوفي.. إذا لم نقدر أن نسوّق رطبنا بأنواعه الكثيرة، وتمورنا عالية الجودة في المحلات العالمية الموجودة عندنا في كل ركن من مدننا، وفي فنادقنا الكثيرة، فلن نستطيع أن ندخل الأسواق العالمية.. وجو ليوا من جو لبنان، لا من سهام ولا من رطوبة!