على مثله تنوح النائحات

على مثله تنوح النائحات

على مثله تنوح النائحات

 صوت الإمارات -

على مثله تنوح النائحات

بقلم : ناصر الظاهري

حينما دخل التلفزيون الأبيض والأسود لأول مرة بيتنا القديم، كنت أشاهد مطرباً فيه يظهر في سيارة أميركية بيضاء مكشوفة، ويمشط شعره على الجبين مرتدياً بدلة بيضاء، ومعه على ما أعتقد امرأة أو ثلاث نساء، وتهتز السيارة، وكأنها تمشي على طريقة حيلة السينما القديمة، وهو يغني أغنيته« على طريق الهدى»، ولأن التلفزيون في ذلك الزمن كان فقيراً في الإنتاج ووفرة البرامج، كانت الأغنية تعاد بشكل يومي، منذ ذاك الزمن البعيد، تعلقنا بالمطرب «أبو بكر سالم بلفقيه»، ولَم نكن ندري يومها أنه سيشكل شيئاً مهماً في وجداننا، وسيمثل شيئاً في عمر مراهقتنا السريع، ولَم نعتقد أننا سنلتقي به يوماً، وسيضمنا مجلس، وحين يكون أبوبكر حاضراً، يصبح ذاك المجلس غنياً بالضحك والأدب وسمر المجالس على الطريقة العربية القديمة، ولا يخلو من لمحات من التجلي الصوفي، والعشق المتناهي، كما لا يخلو من دمعة سخينة على الوطن.

حين شاهدته لأول مرة في ذاك التلفزيون القديم، كنت أرى فيه روح شباب عدن، ذلك البلد الذي كان متطوراً، وسبّاقاً في الريادة سواء في العمران أو الأدب أو الغناء أو السياسة أو التجارة أو الأسفار البعيدة، حتى الإذاعة والتلفزيون كانا معروفين في الخمسينيات وقبل الجميع، فقط هو الزمن الرديء، وكيف تتحول الأيام عن الدول، وكيف تنقلب الأمور، وكأن من جاء بعد عزها، جاء محملاً بالسخط، وعدن لا تستحق إلا الخير مثلها.

كان ذلك الشاب يحمل في صدره قراراً وجواباً وترددات مقامات من النغم، وتبلغ به السلطنة حتى يغدو صوته وحيداً ومميزاً، ولا يخضع لمقاييس الشجن والطرب للصوت الإنساني، وكانت وراءه قصة يتم مبكر، حيث توفي والده وهو في عمر ثمانية أشهر، وامرأة حلّت مكان الأب الغائب، قابلة للتحدي، ومجالدة الحياة، انتقلت من تريم حضرموت إلى مكة ثم عدن، وهنا شهدت ولادة ابنها الثاني في عالم الفن، بعدما جرب التدريس، كمدرس للغة العربية، فضاق به، كانت كلمات أول أغنية وألحانها «يا ورد محلا جمالك بين الورود» تخص ذاك الشاب اليافع، وهي التي جلبت له التصفيق الأول، قبل أن ينتقل لبيروت، فتأخذه تلك المدينة لعوالمها الجديدة والراقية، ومن بيروت استقر بِه المقام في الرياض، وهي التي احتضنته وعرفته بطريق القاهرة التي زادته معرفة، ونبوغاً وانتشاراً، ومتنت صداقات فنية مع عمالقة الفن والسياسة والأدب والصحافة.

ومثلما كان أبوبكر «مرسال الحب» لذلك الجيل الجميل، بتلك الكلمات المرسلة والمعسلة بزهو عدن، كان هناك صديق جميل مرادفاً لأبي بكر، وكان حاضراً في المشهد الغنائي بعفويته وعبقريته، و«سكر عدن» كانت كلماته، «المحضار»، فقدما أجمل الأغاني وأعذبها، وكنت حينما التقيتهما مرة في أبوظبي، وقفت أتأملهما وأشعراني بأنهما توأما روح، لذا كان بكاء أبي بكر على رحيل المحضار مريراً، مثلما نبكي اليوم نحن أبا بكر الذي رحل تاركاً لنا من نفسه، ومن أصالة غنائه في كل مكان، وكل زمان شيئاً لا تغيبه الأيام، ولا تنسيه حوادثها، لأبي أصيل السكينة الأبدية، وطمأنينة النفس التي رجعت لبارئها بعد أن حلّقت بعيداً وعميقاً فينا، وشكّلت لوناً جميلاً في حياتنا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

على مثله تنوح النائحات على مثله تنوح النائحات



GMT 20:35 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

«شايفة.. وعايفة» -2-

GMT 21:33 2021 الجمعة ,09 إبريل / نيسان

«شايفة.. وعايفة» -1-

GMT 20:29 2021 الخميس ,08 إبريل / نيسان

خميسيات

GMT 20:27 2021 الأربعاء ,07 إبريل / نيسان

مواء القطة الرمادية

GMT 19:03 2021 الثلاثاء ,06 إبريل / نيسان

الموكب الملكي المهيب

GMT 04:59 2024 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

علاقة مفاجئة بين شرب القهوة وبناء العضلات
 صوت الإمارات - علاقة مفاجئة بين شرب القهوة وبناء العضلات

GMT 15:23 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

تغير المناخ المستمر يشكل خطرًا على التوازن البيئي للطيور

GMT 17:51 2018 الأربعاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف على أشهر المطاعم العربية الحلال في جنيف

GMT 18:46 2013 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

"سوني" تطرح بلاي ستيشن 4 في عدد من الدول

GMT 13:10 2013 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

انطلاق المؤتمر الدولي للحد من الزئبق

GMT 18:46 2017 الأربعاء ,01 شباط / فبراير

أفكار بسيطة لتجديد المنزل بأقل التكاليف الممكنة

GMT 23:13 2016 الإثنين ,18 إبريل / نيسان

الإضاءة الداخلية عنوان في هوية المكان

GMT 20:50 2013 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

إنفاق 237 مليار دولار سنويًا لدعم الطاقة في الشرق الأوسط

GMT 05:53 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

إسطنبول مدينة رائعة تحضن كل الأمزجة التي تنبض بالحياة

GMT 09:41 2016 الأحد ,21 شباط / فبراير

بحث مشاريع الطاقة بين الأردن ومصر والعراق

GMT 19:07 2019 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

وفاة بطلة فيلم "لوليتا"

GMT 03:55 2019 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

إشادة كبيرة من الجمهور المشارك في حفل "الماسة كابيتال".

GMT 01:26 2019 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة تحضير تشيز كيك التفاح بطريقة سهلة وبسيطة

GMT 10:14 2019 الخميس ,06 حزيران / يونيو

إخراج عنكبوت صغير مِن أعماق أذن امرأة فيتنامية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates