المعطف والمشجب

المعطف والمشجب

المعطف والمشجب

 صوت الإمارات -

المعطف والمشجب

بقلم : ناصر الظاهري

ثمة علاقة حميمية، وربما أزلية بين المعطف والمشجب، وكأن الثاني صنع للأول، وكأن الأول لا يستريح إلا على كتف الثاني، لقد ظهر المشجب والشماعة في اللفظ المجازي اللغوي، وأصبح الناس يعلقون عليه أخطاءهم، وأخطاء الآخرين، كما ظهر المعطف في المجاز، حينما قال النقاد إن معظم الكتّاب الروس خرجوا من معطف غوغول، فمنذ ظهور قصة الكاتب الروسي «نيقولاي غوغول»، «المعطف» تلك القصة التي تدور حول موظف فقير، لكنه دقيق في عمله، متفان فيه، بخطه الجميل المنمق، وعباراته الخالية من الأخطاء، يسمى «اكاكي أكاكيفتش»، هذا الرجل الذي يعيش على كفاف يومه، ضمن دوامة من الروتينية، فقد كان ضيق ذات اليد لا يجعله يخالط الناس اجتماعياً، يقسو عليه الموظفون بالسخرية حيناً، وبالإهانة حيناً آخر، ربما

لفقره، وثيابه الرثة، وربما لتفانيه وإخلاصه في عمله، وذات يوم يقرر أن يشتري معطفاً جديداً، وثميناً بالنسبة لموظف مسكين، بعد ما ملّ من الرتق والترقيع في معطفه القديم، غير أن المعطف الجديد يغير حاله، وتتبدل كآبته لبسمة، وتدخل السعادة نفسه المحبطة، فيتساءل الموظفون بغيظ وحنق عن ذلك السر الذي جعل منه شخصاً آخر، لكن تلك السعادة سرعان ما انقلبت حينما تمت سرقة معطفه، فلا يعرف إلى أين يتجه؟ ولمن يشكو؟ وهو شبه المنعزل عن العالم الذي يخاف الولوج فيه، بسبب الفقر، وما يصنع، تمضي أيام قاسية وباردة عليه، دون معطفه المسروق، فيصاب بالحمى، ويموت «اكاكي أكاكيفتش» الفقير، وتظهر إشاعة أن شبح ميت ينتقم بنزع المعاطف من المسؤولين.

اليوم.. لا يمكن أن أرى معطفاً، ولا أتذكر غوغول، وإنْ رأيت مشجباً يتدلى وحده في الخزانة، فلا بد أن أتذكر «اكاكي» المسكين بحزن، وكنت في سنوات باريس أبرّ الـ«كلوشار» المهمشين بمعاطف قبل الشتاء، كشيء يجعل القلب يتدفأ بالسعادة والخير كل عام.. ولا يغيظني مثل معطف إنجليزي بوبره المشعر، والذي يظل يقاوم السنين الطوال، والذي يشعرك بأن له مشجباً شاخ معه، أو معطف «جنتلمان» بطوله الفارع، والذي يشترى بمشجبه من خشب السنديان اللامع، والمعتنى بصناعته كثيراً، أما معاطف الفرو النسائية، فلها خزائنها «البنكية»، والتي تودع كما تودع الوصايا والمدخرات الذهبية، كما لها مشاجبها الخشبية الغالية، المغلفة بالحرير، والممهورة بختم صانع يدوي، لم يكلّ من العمل، ومن مهنته المنقرضة.
كما لا يضحكني مثل مشجب صيني بلاستيكي، بأحجامه غير المتساوية، والتي لا تشبه بعضها، ويمكن أن تتمدد بفعل أي شيء، غير الحرارة، حين أراها، أرى معاطف متهدلة الأكتاف، وفضفاضة، ولا تشي بشيء من الاحترام، ويمكن أن ينظر لها الإنجليزي الأرستقراطي، ذو الميول الاستعمارية بشيء من الدونية، وقلة الراحة، حينما يصادف أن يضعها الـ«بتلر» سهواً في خزانة ملابس سيده التي تفوح برائحة الآفندر!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المعطف والمشجب المعطف والمشجب



GMT 20:35 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

«شايفة.. وعايفة» -2-

GMT 21:33 2021 الجمعة ,09 إبريل / نيسان

«شايفة.. وعايفة» -1-

GMT 20:29 2021 الخميس ,08 إبريل / نيسان

خميسيات

GMT 20:27 2021 الأربعاء ,07 إبريل / نيسان

مواء القطة الرمادية

GMT 19:03 2021 الثلاثاء ,06 إبريل / نيسان

الموكب الملكي المهيب

GMT 04:59 2024 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

علاقة مفاجئة بين شرب القهوة وبناء العضلات
 صوت الإمارات - علاقة مفاجئة بين شرب القهوة وبناء العضلات

GMT 15:23 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

تغير المناخ المستمر يشكل خطرًا على التوازن البيئي للطيور

GMT 17:51 2018 الأربعاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف على أشهر المطاعم العربية الحلال في جنيف

GMT 18:46 2013 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

"سوني" تطرح بلاي ستيشن 4 في عدد من الدول

GMT 13:10 2013 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

انطلاق المؤتمر الدولي للحد من الزئبق

GMT 18:46 2017 الأربعاء ,01 شباط / فبراير

أفكار بسيطة لتجديد المنزل بأقل التكاليف الممكنة

GMT 23:13 2016 الإثنين ,18 إبريل / نيسان

الإضاءة الداخلية عنوان في هوية المكان

GMT 20:50 2013 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

إنفاق 237 مليار دولار سنويًا لدعم الطاقة في الشرق الأوسط

GMT 05:53 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

إسطنبول مدينة رائعة تحضن كل الأمزجة التي تنبض بالحياة

GMT 09:41 2016 الأحد ,21 شباط / فبراير

بحث مشاريع الطاقة بين الأردن ومصر والعراق

GMT 19:07 2019 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

وفاة بطلة فيلم "لوليتا"

GMT 03:55 2019 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

إشادة كبيرة من الجمهور المشارك في حفل "الماسة كابيتال".

GMT 01:26 2019 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة تحضير تشيز كيك التفاح بطريقة سهلة وبسيطة

GMT 10:14 2019 الخميس ,06 حزيران / يونيو

إخراج عنكبوت صغير مِن أعماق أذن امرأة فيتنامية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates