سوريا والنظام العربي المقبل

سوريا والنظام العربي المقبل

سوريا والنظام العربي المقبل

 صوت الإمارات -

سوريا والنظام العربي المقبل

بقلم : محمد الرميحي

 

في الفترة السابقة لم يعد النظام العربي الإقليمي قادراً على مقاومة الكثير من التحديات. كان نظاماً شبه معطل؛ بسبب «الزعيق» الآيديولوجي، وأيضاً بسبب وضع سوريا التي اختارت تحت نظام الأسدين الأب والابن الارتباط بمكوِّن آخر خارج النظام. وسوريا مع مصر والمملكة العربية السعودية تشكل جميعاً قاعدة النظام العربي المشرقي. فإن استطاع هذا المحور التعاون البنّاء، يمكن أن ينضم إليه آخرون على قاعدة الندية والخير المشترك.

بدأت هذه المسيرة الثلاثية بعد سنوات قليلة من انتهاء الحرب العالمية الثانية، ومحاولة دول كبرى أن تستقطب دول الإقليم وتزجها في صراعها الأممي، فكان ما عُرف في ذلك الوقت بـ«حلف بغداد»، والذي ضم كلاً من إيران وتركيا وباكستان وبريطانيا والولايات المتحدة، وأُعلن في عام 1955 باسم «حلف المعاهدة المركزية».

بعدها تداعت الدول الثلاث؛ المملكة العربية السعودية ومصر وسوريا، إلى اجتماع في مدينة الظهران في المنطقة الشرقية على ضفاف الخليج. ضم الاجتماع كلاً من الراحلين الملك سعود بن عبد العزيز، والرئيسين جمال عبد الناصر وشكري القوتلي، فكان ميلاد ما عرفه المشتغلون بالسياسة بأنه قاعدة النظام العربي الجديد، المعتمد على البُعد عن المحاور والصراعات الدولية، والدفاع عن المصالح العربية. كان ذلك التوجه للنأي بالمنطقة من استنزاف مواردها التي تحتاجها شعوبها للتنمية عن مصالح صراعية دولية، بين ما عُرف وقتها بالمعسكر الغربي والمعسكر الشرقي.

خرجت بغداد من الحلف أواخر عام 1958. وبعد انفراط الوحدة المصرية - السورية آخر عام 1961، دخلت سوريا في صراع داخلي، ثم انزلقت إلى حكم الأسرة الأسدية، ومن وقتها ولنصف قرن تقريباً وهي تبتعد عن المحور العربي باتجاه محور إقليمي يناقض كل ما يرغب فيه الشعب السوري.

ذلك التاريخ انقطع أو يكاد ينقطع بسقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وبدخول قوات المعارضة السورية إلى دمشق.

في السنوات الأخيرة «نضج حكم الأسد وأصبح قابلاً للسقوط» لأسباب كثيرة يصعب حصرها؛ من قمع الداخل الذي طال تقريباً كل المكونات السورية، بما فيها ما عُرف بحاضنته الاجتماعية، ومنها سياساته الخارجية العبثية. ورغم محاولة تعويمه في أكثر من مرحلة، فإن مرض الإنكار كان قد تمكن منه، وهو مرض قاتل.

سوريا مهمة لقاعدة النظام العربي من أجل تصليبها. وثلاثية المملكة العربية السعودية ومصر وسوريا ممكن من جديد أن تكون قاعدة النظام الإقليمي العربي، بعد التطورات التي حدثت في المنطقة؛ فالمملكة بما تملك من اتصال وثيق بمحيطها الخليجي والعالمي، ومصر بمخزونها البشري، وسوريا هي واسطة العقد العربي؛ لذلك من الأهمية أن يكون النظام الذي يتمخض عن الثورة الأخيرة منسجماً مع هذا المحور المصري - الخليجي، آخذاً بالاعتبار كل التطورات التي مرت بالمنطقة، مع الاستفادة من الدروس الدموية التي دفعتها كل مكونات الشعب السوري.

كثير من المراقبين يرحبون بالتغيير في سوريا، إلا أن هناك بعض التحوطات التي يجب الأخذ بها، منها أن مكوناً واحداً لا يستطيع أن يبحر بسوريا في خضم المتغيرات الإقليمية والدولية، كما أن سوريا في محيطها العربي هي أكثر أماناً، وأكثر قابلية للفعل على المستوى الدولي.

التحدي أمام النظام الجديد عنوانه الرئيس ألا يقع النظام الجديد في أخطاء النظام السابق الذي أغرق سوريا في القمع والفقر والخوف والعزلة. و«روشتة» الخروج من هذا المأزق هي أربع ركائز: أولاً، نظام سياسي يكفل الحريات لكل المواطنين والمكونات السورية، وينظم السلطات. وثانياً، نظام اقتصادي يكفل العيش الكريم بعيداً عن الشمولية والاستحواذ. وثالثاً، يحوط ذلك نظام قانوني يكفل الحقوق بميزان العدل الإنساني. ورابعاً، نظام إعلامي حر في حدود قوانين حديثة.

الانزلاق إلى الأحادية، والاهتمام بالصغائر والشكليات التي هي مفارقة للعصر وللعقل... يدخلان النظام الجديد، وهو هشّ، إلى مداخل مظلمة، ويؤلبان الآخرين عليه، ويتركانه صيداً للقوى الإقليمية المستعدة للقفز من النافذة بعد خروجها من الباب! لأن المسارات النقيضة للنقاط الأربع السابقة، هي «نوافذ» لقفز الآخرين منها على مقدرات الشعب السوري.

يمكن في المرحلة الحالية توصيف ما جرى في سوريا حتى أسبوعين من سقوط النظام، إن استعرنا ضوابط إشارات المرور، بأنه «أخضر وبرتقالي»؛ أخضر في الكلام والوعود، وبرتقالي في بعض الأفعال، كما القول «إن صح» بعزل النساء عن القضاء، وما شابه من تصريحات تقود إلى توسيع حالة البرتقالي الذي بالضرورة سوف يقود إلى الأحمر الذي لا يتمناه أي وطني سوري ولا عربي مُحبّ لسوريا.

آخر الكلام: أي تغيير له شهر عسل، قد يطول وقد يقصر. العمى السياسي أن يعتقد البعض أن شهر العسل لا نهاية له!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سوريا والنظام العربي المقبل سوريا والنظام العربي المقبل



GMT 05:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

يتفقد أعلى القمم

GMT 05:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا و«تكويعة» أم كلثوم

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

تحولات البعث السوري بين 1963 و2024

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

2024... سنة كسر عظم المقاومة والممانعة

GMT 05:40 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أميركا والفضائيون... أسرار الصمت المدوي

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 00:23 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 08:23 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 20:55 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير الهجرة الكندي يؤكد أن بلاده بحاجة ماسة للمهاجرين

GMT 08:24 2016 الأحد ,28 شباط / فبراير

3 وجهات سياحيّة لملاقاة الدببة

GMT 03:37 2015 الإثنين ,08 حزيران / يونيو

عسر القراءة نتيجة سوء تواصل بين منطقتين في الدماغ

GMT 22:45 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

استمتع بتجربة مُميزة داخل فندق الثلج الكندي

GMT 02:49 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

ليال عبود تعلن عن مقاضاتها لأبو طلال وتلفزيون الجديد

GMT 04:52 2019 الخميس ,03 كانون الثاني / يناير

"هيئة الكتاب" تحدد خطوط السرفيس المتجهة للمعرض

GMT 04:47 2018 الأربعاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

شادي يفوز بكأس بطولة الاتحاد لقفز الحواجز

GMT 18:39 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

أجمل الأماكن حول العالم للاستمتاع بشهر العسل

GMT 17:16 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

وعد البحري تؤكّد استعدادها لطرح 5 أغاني خليجية قريبًا

GMT 05:14 2018 الخميس ,04 تشرين الأول / أكتوبر

إيرباص A321neo تتأهب لتشغيل رحلات بعيدة المدى
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates