بقلم - مشاري الذايدي
المؤرخ والفقيه واللغوي والنسابة، والأديب، ابراهيم بن صالح العيسى، رجل من أفذاذ النخب العلمية في نجد والسعودية بل والجزيرة العربية، رحل عن عالمنا قبل أزيد من قرن من الزمان، عام 1924 في قلب نجد بمدينة عنيزة في القصيم، بعد أن غادر شقراء وأشيقر، ليقيم في عنيزة أخريات حياته.
مناسبة هذه التقدمة هو احتفاء دارة الملك عبد العزيز بهذا العالم قبل أيام، في الرياض، وصورة ذلك أن دشَّن الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز، المستشار الخاص لخادم الحرمين الشريفين، رئيس مجلس إدارة دارة الملك عبد العزيز (الأعمال الكاملة للمؤرخ إبراهيم بن صالح بن عيسى) على 19 مجلداً تتضمَّن مؤلفاته ومختصراته ومراسلاته التي تعكس الحياة العلمية والاجتماعية، بحضور جمع من عشاق التاريخ ونخب من أحفاد ورموز أسرة العيسى الكريمة، يتقدمهم الوزير خالد العيسى وأمين رابطة العالم الإسلامي محمد العيسى والمعالي أحمد العيسى وغيرهم.
«ابن عيسى» كما درج الناس على تسميته في السعودية، برز في عصر الفاقة في العيش والعلم والتدوين، وعزف عن تولي منصب القضاء، وتفرغ للكتابة والبحث العلمي، وكانت ترد عليه الأسئلة من الكويت ونجد وبقية الجزيرة العربية، في الفقه والتاريخ ويجيب عن ذلك، مع الوقت تكونت ثروة ثمينة من هذه الأوراق المعروفة باسم أوراق أو كناشات ابن عيسى.
لكن العمل الأبرز للرجل هو تاريخه الذي حاول به استئناف عمل من سبقه.
أشار الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود على الشيخ ابن عيسى بعد وفاة المؤرخ المعروف عثمان بن بشر بأن يكمل كتابة تاريخ البلاد من حيث انتهت كتابة ابن بشر فبدأ من أحداث سنة 1268هـ حتى اسنة 1302هـ في مؤلفه الشهير «عقد الدرر فيما وقع في نجد من الحوادث في آخر القرن الثالث عشر وأول الرابع عشر».
سبق أن قام الدكتور والمؤرخ أحمد البسام بتحقيق ونشر «تواريخ» ابن عيسى في جزأين، وكذلك أصدرت الدارة في وقت سابق كتاب (قراءة في بعض المذكرات والرسائل الشخصية للشيخ المؤرخ والنسابة إبراهيم بن عيسى) للدكتور أحمد البسام.
قال علامة الجزيرة العربية الشيخ حمد الجاسر ـ رحمه الله: «يعتبر الشيخ ابن عيسى المؤرخ الثاني لنجد بعد ابن بشر، فبتأريخهما يصبح تاريخ هذه البلاد متصل الحلقات».
وبعد، هذه خطوة جميلة المرجو أن تعقبها خطوات بحق مؤرخين آخرين من أجل إعادة بعث ونشر أعمالهم التي سبق نشرها قديما، أو لم تنشر بما في ذلك الأوراق والكناشات والمراسلات.
الأمر ليس فقط يخص المؤرخين، بل العلماء والساسة والإداريين السعوديين او من اهتموا بالسعودية من غير السعوديين، لتوفير «موسوعة» مستمرة عن ذاكرة البلاد والعباد .