بقلم - سليمان جودة
تمنيت فى هذا المكان، قبل أيام، لو أن وزيرة البيئة، الدكتورة ياسمين فؤاد، بادرت إلى إحياء مشروع قديم كان يطمح إلى تشجير محيط القاهرة.
ولم أكن أدرى، وأنا أكتب إلى الوزيرة، أن فرنسا تستعين بالشجرة لتنظيم دورة الألعاب الأوليمبية، وأن بدء الدورة الأوليمبية سوف يكون خلال شهر تقريبًا من الآن، وأن باريس تستعد لأعمال الدورة بكل قوة وبشكل مختلف، وأن تكثيف زراعة الشجر فى شوارع المدينة ملمح أول من ملامح الاستعداد الفرنسى.
وعندما أرادت الحكومة الفرنسية إظهار مدى استعدادها نشرت صورًا لشارع الشانزليزيه الشهير فى عاصمة النور، بينما الأشجار على جانبيه تصطف على طول الشارع من أول نقطة فيه إلى قوس النصر الشهير كأنها حُراس لا ينامون.
وفى يوم ١٠ يونيو، نشرت جامعة سنغافورية دراسة عن تأثير تلوث الهواء على حياة الإنسان، وقالت الدراسة إن ١٣٥ مليون إنسان ماتوا حول العالم بتأثير هذا النوع من التلوث، وإن ذلك كان فى الفترة من ١٩٨٠ إلى ٢٠٢٠.
ولم تذكر الدراسة المنشورة شيئًا عن نصيب كل دولة فى العالم من هذا الرقم، وبالتالى لا معلومات محددة عن نصيبنا من الرقم الإجمالى المشار إليه، ولكن هذا لا ينفى أن معدل التلوث فى قاهرة المعز فى أشد الحاجة إلى أن يكون أقل مما هو عليه، وأن زراعة الكثير من الأشجار فى كل مكان فى العاصمة طريق مضمون إلى خفض تلوث الهواء، ثم إلى الحد من خطورة هذا التلوث على حياة الإنسان فى العاصمة.. وفى دراسة أخرى منشورة لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسيف»، قالت إن تلوث الهواء يحتل المرتبة الثانية كعامل خطر للوفاة المبكرة، وإنه تسبب فى وفاة ثمانية ملايين ومائة ألف فى العالم خلال ٢٠٢١.
وفى بدايات هذه الألفية، كانت سفارات أوروبية فى القاهرة تطلب من موظفيها الخروج فى آخر الأسبوع إلى أى مدينة شاطئية، وكان ذلك منشورًا فى الإعلام، ولم يكن سرًّا، وكان مجالًا فى العقد الأول من هذا القرن للقيل والقال، وكانت السفارات التى تدعو موظفيها إلى ذلك تشدد عليهم، وكانت تقول لهم فيما يشبه التهديد إن الذين يتقاعسون عن قضاء يوم أو يومين خارج القاهرة فى نهاية كل أسبوع ربما يجدون أنفسهم معرضين للحرمان من نظام التأمين الصحى.
ولا حاجة إلى القول إن وجود الشجر فى شوارع العاصمة لم يعد نوعًا من الترف، وإذا جاز لوجودها أن يكون ترفًا فى مرحلة سابقة على تغيرات المناخ، التى نراها ونعيشها ونعانى تداعياتها، فإن وجود الشجر بكثرة من حولنا صار ضرورة من ضرورات الحياة.