بقلم - سليمان جودة
أقرأ فى السيرة الذاتية للسيدة ليز تراس، التى جلست على رأس الحكومة البريطانية خلفًا لبوريس جونسون، رئيس الوزراء السابق، فأتذكر محمد محمود باشا، رئيس وزراء مصر فيما قبل ١٩٥٢!.. أتذكره ليس لأن شارعًا فى وسط البلد يحمل اسمه، ولكن لأنه تخرج مثل السيدة تراس فى جامعة أُكسفورد، التى يجرى تصنيفها فى الكثير من السنوات باعتبارها أعظم جامعة فى الدنيا!.
كان محمد محمود باشا قد تولى رئاسة الحكومة عدة مرات، وكان يشتهر فى الحكم بأنه صاحب اليد الحديدية، وكان ينتمى إلى أسرة عريقة فى ساحل سليم بأسيوط، وكان الإنجليز قد عرضوا على أبيه محمود سليمان باشا أن يكون ملكًا على مصر بعد الخديو عباس حلمى الثانى فى ١٩١٤، فرفض!.
وقد ظل محمد محمود يتباهى بهذا الموقف أمام الملك فاروق لاحقًا، وكان دائمًا يقول: أنا ابن مَنْ عُرض عليه مُلك مصر فأبَى!.. ولو شاء لكان قد قال: أنا مَنْ تخرج فى أُكسفورد وكفى، فهو لم يكن قد تخرج فيها وفقط، ولكنه كان أول مصرى يتخرج فيها!.
والغريب أن جونسون كان قد تخرج فى أُكسفورد أيضًا، فكأنها الجامعة التى يتخرج فيها رؤساء الحكومة فى بريطانيا وخارجها.. ومن قبل كان وزراء كثيرون يتخرجون فى كلية الحقوق بجامعة القاهرة حتى اشتهرت بأنها كلية الوزراء!.
ورغم أن محمود سليمان باشا كان واسع الثراء، فإنه لم يشأ أن يورث ابنه المال، وقرر أن يعلمه فى أعظم جامعة، وعندما مات الأب ورث الابن ١٦٠٠ فدان، ولكنه لم يكن يفخر بثرائه ولا بثراء أبيه، وإنما كان دائم الاعتزاز بأنه ابن أُكسفورد!.
ولا ينافسه فى ذلك إلا مكرم عبيد باشا، الذى درس القانون فى الجامعة ذاتها، وعندما اشتغل بالمحاماة كان أمهر الناس فى ساحات القضاء!.
وقد روى لى الراحل الكبير سعد فخرى عبدالنور أنه سمع كثيرين يتحدثون الإنجليزية فى براعة لافتة، ولكنه لم يسمع أحدًا يتحدثها ببراعة مكرم عبيد.. كان يتكلمها بأفضل مما يتكلم به أهلها أنفسهم، وكان إذا تكلم بها فكأنه يغنى ليُطرب السامعين!.