بقلم: سمير عطا الله
هذا شهر التذكارات الكبرى والعقيمة في التاريخ. تستعاد خصوصاً بأرقام ملايين الموتى وتريليونات الخسائر المادية والأسباب التافهة لإحراق العالم وتدمير البشرية. في الأول من سبتمبر (أيلول) 1939 أشعل النمساوي أدولف هتلر النار في ثوب العالم، وتبعه عدد من غلاة القوميات القاتلة: بنيتو موسوليني في إيطاليا، والطغمة العسكرية في اليابان، وجُرَّ العالم برمّته إلى الدمار والموت، سائراً خلف الخطب الحماسية والشعارات الجوفاء والآمال المدمرة.
كان فرح أسامة بن لادن عظيماً يوم الحادي عشر من سبتمبر، العام الأول من هذا القرن. لقد نجح رجاله في ضرب برجي التجارة في نيويورك، رمز الرأسمالية الأميركية، وجعلوا آلاف النيويوركيين يهرعون إلى الملاجئ، وغيَّروا قواعد الحرب عندما استخدموا طائرات مدنية بدل العسكرية في ضرب المدن، وكان سلاحهم أبرياء مدنيين بينهم نجل صديق لي كان يسافر إلى... عروسه.
في ذكرى 11 سبتمبر هذا العام بدت عبثية العنف والموت على ما هي. جرثومة خفية سماها العلماء «كوفيد - 19». دفعت ملايين النيويوركيين إلى منازلهم وأغلقت المدينة وكلفت الولاية، وجميع الولايات الأخرى، وجميع دول العالم، أضعاف أضعاف ما كلفت حرب المخيلة السادية في «القاعدة».
سبتمبر هو شهر العقل الواحد. الرجل الواحد الذي يقوم عقله على القتل والموت، ولا يرى انتصاره إلا في أقصى حالات الإبادة. بعدما طفق هتلر يملأ العالم موتاً، التفت فرأى ألمانيا ركاماً وقبوراً وفقراً. وخاف من فكرة السجن ففضل عليها الانتحار. رصاصة لو أطلقها على رأسه قبل الحرب لوفّر على الإنسانية أبشع حروب التاريخ. لكن الأمور في هذا العالم لا تتم وفقاً للأمنيات والنوايا الحسنة. هناك دائماً رجل مشتعل يجر من خلفه الحرائق.
ليبيا كانت أحد أكثر بلدان العالم هدوءاً وسكينة في أول سبتمبر 1969. فجأة ظهرت مجموعة من الضباط برتبة ملازم أعلن أحدهم، معمر بن منيار القذافي، أنه خلع إدريس الأول، مؤسس الدولة وحل مكانه. وغير اسم البلد إلى الجماهيرية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى. وعيّن أول سبتمبر حاجباً لديه وسماه الفاتح من سبتمبر. وانتقاماً لخيمة والده، حول ليبيا كلها إلى خيمة يستقبل فيها سياسيي العالم وينقلها معه إلى عواصمهم.
اقتحم العسكريون العرب دور الحكم بالدبابات، وأزاحوا المدنيين والمدنية والفكر المدني. وأخذوا من تعاليم لينين شيئاً واحداً: الرجل الواحد والحزب الواحد، وعنه ورثوا أن «حرية الصحافة خداع». لذلك، عاشت ليبيا على صحافة واحدة لرجل واحد.
تقوم الحياة العسكرية على فكرة «أمرك سيدي». ومدرستها هي «المدرسة الحربية» أو «الكلية العسكرية». ولا يزال الرجل الواحد يرسم أفكاره أو أحلامه على جدار العالم. النموذج الأخير هو رجب طيب إردوغان، الذي سرّح آلاف الموظفين المعارضين من الأحزاب الأخرى. ويتنقل بخطبه الحماسية من إسطنبول إلى طرابلس، أو بالأحرى طرابلسين، الشام والغرب.